فلسفة مطعّمة بالرعب والإبداع

مارلين سلوم

إذا أردت أن تقيس «الفيل الأزرق 2» على ما شاهدته في الجزء الأول الذي عرض قبل خمسة أعوام، فستشعر بأن العمل يدور حول نفسه، لم يطور أحداثه وأفكاره، لكنه ارتقى إخراجياً نحو مرحلة أكثر تقدماً وصعوبة. أما إذا أردت أن تُجرِّده من تلك التبعية، فالفيلم يعتبر حالة إبداعية تتجلى فيها مختلف أشكال الفنون السينمائية، وهو أقرب إلى الأعمال «الفلسفية» المطعّمة بأجواء الرعب والجريمة.
كان من السهل على الكاتب أحمد مراد تطوير الفكرة التي انطلق منها قبل خمسة أعوام، عندما حوّل روايته إلى فيلم سينمائي، دون الخوف من خسارة الجمهور، أو دون الاتكال على ما حققه «الفيل الأزرق» من نجاح وسمعة. فثنائيته مع المخرج مروان حامد، أثبتت نجاحها، وارتباطهما بالنجم كريم عبد العزيز كفيل بجذب الجمهور من مختلف الأعمار والفئات، في أي مغامرة سينمائية يخوضونها. فلماذا لم ينتقل المؤلف إلى أحداث جديدة متغيرة تماماً، بدل الاكتفاء بنقل «شيطانه» نائل من مريض إلى آخر، وإلباسه جسد امرأة أدتها هند صبري ببراعة متناهية، لا تقل عن تميز خالد الصاوي في الجزء الأول، والذي ظهر بمشهد واحد في الفيلم الجديد كضيف شرف؟.
توقعنا أن ندخل إلى عالم آخر مع هلوسة حبوب «الفيل الأزرق»، والدكتور يحيى راشد (كريم عبد العزيز)، فإذا بالبداية تعيدنا إلى الفيلم السابق مباشرة، باستدعاء الدكتور يحيى للحضور إلى جناح «8 غرب» إنما «حريم»، حيث تقضي الحالات الخطرة من السجينات فترة العقوبة، مع المراقبة الطبية والعلاج النفسي، بهدف الوصول إلى الحقيقة الكامنة خلف ارتكابهن للجرائم أو تبرئتهن منها. الحالة هذه المرة تدعى فريدة (هند صبري)، امرأة ثرية متهمة بقتل ابنتها وزوجها. تنفي التهمة كلياً، وفي لحظة، ينقلب حال الجناح، فتنقطع الكهرباء وتعم حالة من الذعر مع صراخ إحدى السجينات منادية باسم «فريدة». مع عودة النور، يتبين مقتل السجينة وقد اقتُطعت أذنها. يرفع الكاتب والمخرج من جرعة الرعب في هذا الجزء، مع التركيز على مشاهد الدماء واقتطاع أجزاء من أجساد ضحايا «الشيطان نائل»، والتي لم تكن ضرورية لإيصال بشاعة هذا المجرم ووحشيته.
تُعزل فريدة، ويستدعي الطبيب المسؤول عن الجناح الدكتور أكرم رياض (إياد نصار)، الدكتور يحيى للمساعدة في حل لغز فريدة، بطلب منها، وكونه الوحيد الذي تمكن من كشف حقيقة المريض شريف (خالد الصاوي)، وكيفية ارتكابه جريمته.
كثيرة الأسباب التي تدفعك لمشاهدة العمل، أولها اسم مروان حامد الذي يعتبر من المخرجين غير النمطيين، صحيح أنه يقدم أعمالاً صعبة أو «معقدة» بمعنى أنها تحتاج تعمقاً وتحليلاً ومتابعة بتركيز من قبل الجمهور، لكنه قادر على تبسيطها وتطويعها ليقدمها برؤية «غير معقدة»، تمنح الجمهور مساحة من المتعة البصرية، من خلال المشاهد الاستعراضية الرائعة، والأغاني والرقصات وألوان الطبيعة، وكأنه يحملك على بساط الريح في إحدى رحلات علاء الدين السحرية. كما يجعل مروان حامد من غرفة عزل السجينة فريدة، مسرحاً لإبراز طاقاته الفنية العالية والتفنن في تقطيع المشاهد وتجسيد روح الشيطان وألاعيبه وتحولاته، فيبث الذعر في نفوس المشاهدين بنجاح.
من أسباب إقبال الجمهور وتميز الفيلم أيضاً، كريم عبد العزيز، ممثل السهل الممتنع. بسيط بأدائه، سلس سواء قدم الكوميديا، أو ارتفع إلى أعلى قمم التراجيديا. هو العمود الفقري للعمل، وتقابله هند صبري بما تمتلكه من نضج وموهبة وقدرة على الأداء التعبيري بلغتي العيون والجسد، لتقدم 3 شخصيات مرة واحدة، القاتلة فريدة، والغجرية، و«نائل الشيطان». أما نيللي كريم (لبنى زوجة دكتور يحيى)، وإن كانت تصنف شريكة مع هند بنفس درجة البطولة، ومساحتها في هذا الجزء بدور أكبر من الأول وأكثر تأثيراً، إلا أنه يبقى أقل تأثيراً من دور فريدة. إياد نصار يعتبر ضيف شرف، لكنه ضيف مؤثر، يترك بصمة ويمتلك قدرة عالية على التعبير بدقة عن الشخصية التي يؤديها سواء في «الفيل الأزرق» أو غيره. وشيرين رضا، عرابة «نائل» والمهلوسين، إطلالتها وإن كانت بمشهد واحد، تبقى دائماً مختلفة، وكأن الدور الذي تجسده شيرين لا يليق إلا بها. ومرور تارا عماد بشخصية «ميرميد»، يؤكد براعة المخرج في حسن اختيار الممثل المناسب للشخصية المناسبة.
أحمد مراد لا يشبه أي كاتب عربي في «الهلوسة» واختراق عوالم الشيطان والأبعاد النفسية. يشكك في كل الشخصيات بلا استثناء، ويتركك أسير القلق والترقب والانتظار، مشدود الأعصاب طوال الفيلم، لا يمكنك توقع ما سيحصل. وحبذا لو طور فكرة «الفيل الأزرق» لينتقل مع مروان حامد إلى مراحل جديدة ومختلفة، مع الحفاظ على نفس العمق ونفس مستوى الإبداع والتنوع الذي نحتاجه في السينما العربية.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً