«عودة بن»..رحلة غير تقليدية في أوكار المدمنين

مارلين سلوم

«الإدمان» قضية لطالما عالجتها السينما العالمية بأشكال مختلفة، وبقصص صبت كلها في اتجاه واحد؛ لتصل بالمشاهدين إلى نهاية متفائلة، تؤكد قدرة المدمن على تخطي مرحلة العلاج الصعبة، وصولاً إلى الشفاء التام.. وحده «عودة بن» يقول عكس ذلك، ويأخذنا في رحلة حقيقية وواقعية جداً في عالم الإدمان، مع تمسكه بالقصة الجميلة والدراما العائلية؛ لذا ننصح الجميع بمشاهدته، وخصوصاً الأهل والمراهقين.
مشهد البداية يوحي بأنك أمام فيلم عائلي لطيف، الصراع فيه سيكون بين الشاب المراهق (19 عاماً) المدمن «بن» (لوكاس هيدجز ابن مخرج وكاتب الفيلم بيتر هيدجز)، وزوج أمه نيل (كورتني فانس)، كأغلبية الأفلام الأمريكية التي تتناول نفس القضية؛ لكن بيتر هيدجز يمشي طوال مدة الفيلم ساعة و43 دقيقة، عكس توقعاتك، وهذا سر تميزه الأول.
عودة بن بيرنز المفاجئة من المصحة التي يعالج فيها من إدمان الكوكايين، ليقضي الأعياد مع والدته هولي بيرنز (جوليا روبرتس)، وشقيقته آيفي (كاثرين نيوتن)، وأخويه الصغيرين، تقلق آيفي رغم حبها الكبير لشقيقها، فتتصل بنيل فوراً، الذي يخاف على أسرته من مشاكل الشاب؛ بينما الأم تفرح به كثيراً، وتحتضنه بكل حنان، وحسبها أنه اجتاز مرحلة الخطر. تحاول منحه الثقة بنفسه، وتخرج معه لشراء ملابس العيد، ومن هنا ننطلق معهما في رحلة مملوءة بالصراع بين الإدمان والعلاج، الصدق والكذب، الفرح والخوف، الأمل واليأس، القوة والانهيار، الحياة والموت..
ترفض هولي ترك ابنها وحيداً ولو للحظة، وأثناء تنقلهما في المركز التجاري، تصادف طبيباً مصاباً بالزهايمر وزوجته، ونكتشف أنه هو السبب في وقوع ابنها في براثن الممنوعات؛ حيث أصيب في صغره، وأجرى له الطبيب عملية، ثم وصف له دواء مسكناً، مؤكداً للأم أنه لا يشكل خطراً ولا يؤدي إلى الإدمان، وإذا بالطفل صار مدمناً، بل وصل إلى مرحلة الترويج للممنوعات.
الفيلم عبارة عن رحلة نكتشف وتكتشف فيها الأم المراحل التي مر بها ابنها طوال تلك السنين، دون أن تعلم الكثير من تلك التفاصيل؛ لأن «من يتعاطى الممنوعات كاذب ولا يجب تصديقه» كما يقول بن. ويبدأ التصعيد والتشويق وانتقال الأداء من مرحلة إلى أخرى، مع مشهد قلق هولي لحظة دخول ابنها غرفة قياس الملابس التي اختارتها له في أحد المحالّ. رائعة جوليا روبرتس كيف تتبدل ملامحها وحتى نظرتها بلحظة من حالة الفرح بشراء الملابس له، إلى حالة الرعب، ثم الانفعال والحدّة مع محاولتها فتح الباب خوفاً من حيازته أي مخدر، والمشاجرة وسط المحل والبائعين والزبائن.
ببساطة يجعل الكاتب اختفاء الكلب من المنزل أثناء غياب الأسرة، هو الدافع لخروج الأم مع ابنها ليلاً للبحث عنه، فتبدأ رحلة اكتشافها للعالم الذي كان يعيش وسطه بن؛ حيث يطرق أبواب من يعرفهم، ويدرك أنهم ربما خطفوا الكلب انتقاماً من بن، وبسبب ابتعاده عنهم. الصدمات كثيرة، خصوصاً حين تعلم الأم أن ابنها تسبب بإدمان أصدقاء له ووفاة بعضهم، مثل ابنة صديقتها «بيث»، وأستاذ التاريخ «المدمن» أيضاً، وسبنسر ابن صديقتها المقرّبة الذي تبدلت ملامحه لدرجة أنها لم تعرفه، رغم أنه نشأ مع ابنها كأخ له.. وتدخل أوكار المدمنين حتى تصل إلى مرحلة الصراخ والاستسلام واللجوء إلى الشرطة، قبل أن يعود إليها خيط الأمل من جديد.
ثنائي ناجح جداً، والتواصل بين روبرتس ولوكاس مقنع يوحي بأنهما فعلاً أم وابنها، خصوصاً وأن أغلبية مشاهد الفيلم تجمعهما معاً في رحلة مؤثرة، لا يمكنك إلا أن تتفاعل وتتعاطف معها. على المقعد تجد نفسك مشدوداً، وتزيدك الحبكة مع تصاعد الأحداث توتراً، حتى المشهد الأخير.
مهمة بيتر هيدجز لم تكن سهلة في تقديم عمل غير سوداوي وبلا مشاهد مؤذية للجمهور، أو يرى فيها عملية التعاطي وتفاصيلها كما تفعل كثير من الأفلام والمسلسلات العربية، رغم حرصه على إيصال الرسالة بوضوح حول خطورة الإدمان وحياة المدمنين! نجح في تصوير هذا العالم المظلم بكثير من الحب والعناية والمشاعر، تماماً كما كانت الأم هولي تحتضن ابنها معنوياً وترافقه رافضة التخلي عنه، بكل جرأة وصلابة، قبل الانهيار. مشاهد البهجة والعيد تطغى على الصورة وفي الخلفية، فلا يشعر المشاهد بأي اشمئزاز.
القصة والتصوير والإخراج والأبطال، جعلوا «عودة بن» عملاً ترغب في مشاهدته أكثر من مرة أنت وأفراد أسرتك، وتتمنى لو أن كل أهل وشاب وفتاة وحتى الأطفال يشاهدونه؛ كي يعلموا أن من يقع في مصيدة الممنوعات ويدمنها، ستنقلب حياته وحياة عائلته وكل من حوله إلى جحيم دائم، وأن العلاج لا يكون دائماً هو «الحل السحري» الذي يستطيع الحصول عليه متى شاء، ويتم الشفاء منه وكأن شيئاً لم يكن، كما نشاهد في كل الأفلام والمسلسلات. هذه الرسالة تصل إلى الجمهور ضمن قالب درامي رومانسي جميل، وأداء أكثر من رائع لجوليا روبرتس الأم ولوكاس هيدجز بدور ابنها.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً