صوفيا كوبولا: الإخراج نوعان..حرية في العمل أو بسطوة المنتجين

محمد رُضا

صوفيا كوبولا، ممثلة وكاتبة ومخرجة، ابنة المخرج فرنسيس فورد كوبولا، معروفة، لكنها ليست مثل أبيها الذي أخرج أعمالاً كبيرة من بينها ثلاثية «العرّاب» والفيلم الأسطوري «الرؤيا.. الآن».
وُلدت قبل 48 سنة في مدينة نيويورك. آنذاك كان والدها على عتبة الشهرة الكبيرة التي استحقها عندما قام في العام التالي، بإخراج فيلم «العراب». وجعلها تظهر في ذلك الفيلم وهي في السنة الأولى. ثم عاد فقدمها في الجزء الثاني وهي في الرابعة من عمرها. وأصبحت فتاة تعرف كيف تتجاوب مع تعليمات المخرج، لأدوار في أفلامه المختلفة مثل «رمبل فيش» (1983) و«كوتون كلوب» (1984)، قبل أن يمنحها دوراً رئيسياً في الجزء الثالث من «العرّاب» سنة 1990.
مع تعدد المرّات التي ظهرت فيها كممثلة، ونسبة لكون والدها من أفضل مخرجي أمريكا، تشرّبت صوفيا، حب الإخراج ومارسته لأول مرة سنة 1999 بفيلم «انتحارات العذارى». بعد أربع سنوات عادت بفيلم صفق له النقاد كثيراً هو «مفقود في الترجمة» (2003). ومع فيلمها المقبل«أون ذا روكس»،الذي تقوم حالياً بإعداده للعرض مع نهاية السنة، يبلغ عدد أفلامها كمخرجة 8 أفلام، من بينها «المخدوعات»، الذي كان إعادة صنع لفيلم سابق قام ببطولته كلينت ايستوود في السبعينات.
وكان لنا معها هذا الحوار.

عما يدور فيلمك الجديد «أون ذا روكس»؟

– تلعب رشيدة جونز فيه دور امرأة شابة، لديها ولد يمثل كل شيء في حياتها، وأب عاش حياة عابثة في شبابه، تلتقي به من جديد في رحلة يعودان بها إلى نيويورك، وتتوالى الأحداث.

هل استوحيت الفكرة من كونك ولدت في نيويورك، في شكل إسقاطات عائلية مثلاً؟

– كتبت السيناريو معتمدة على الخيال وليس على الحقيقة، لكن الأفكار لابد تستفيد من حياة الشخص وتجاربه.

هل تتعمدين منح نفسك مسافة زمنية بين الفيلم والآخر؟

– أعتقد أن هذا أمر طبيعي جداً، إلا إذا كنت في حلقة هوليوود المفضلة. معظم المخرجين ينتهون من الفيلم ويبدؤون العمل على فيلم آخر بلا انتظار. لكني لست منهم، ولا أنوي أن أكون. وأنا سعيدة بذلك. لهذا من الطبيعي أن آخذ وقتي لأستلهم وأدرس وأكتب النص التالي. عادة 3 سنوات هي الفترة المعتادة لي بين كل فيلم وآخر. ورغم أنني مخرجة مستقلة، لا أمانع إذا ما استلمت مشروع فيلم من مؤسسة كبيرة، المهم أن استلم معه حرية العمل. هذا أمر لا توفره هوليوود طواعية. وبالنسبة ل فيلم «ماري أنطوانيت» الذي أخرجته، فإن المشروع جاء مع الحرية التي توفرها الشركات الفرنسية لمخرجيها.

ما خلاصة تجربتك مع ذلك الفيلم الفرنسي؟

– تجربة سعدت بها، دلّتني على أنه من الأفضل الحفاظ على وضعي الذي أنجزته إلى الآن، منذ تحقيق فيلمي الأول «انتحار العذارى». كما تمكنت من معرفة الطريقة التي تعمل بها المؤسسات الفرنسية واختلافها عن المؤسسات الأمريكية. لكني أفضل البقاء في هوليوود وفي إطار الأفلام الاجتماعية التي تدور في الزمن الحالي.

هل وجه لك والدك نصيحة تتعلق بالحفاظ على استقلاليتك؟

– طبعاً. منذ البداية أدركت أن هناك نوعين من السينما على المخرج أن يختار بينهما. نوع يترك له الحرية في العمل ونوع يتم بسطوة وإشراف المنتجين المنفّذين، ليتأكدوا أن الفيلم يسير على سكتي حديد موضوعة لا يحيد عنهما. كذلك راقبت مسار والدي بكثير من التقدير. بدأ مستقلاً ثم حقق أفلامه الكبيرة على طريقته هو، ثم عاد إلى الأفلام القصيرة. هذا ساعدني على اختيار موقعي.

منذ «مفقود في الترجمة» وهناك رغبة لديك في الحديث عن شخصيات منفردة. حائرة وربما غير سعيدة. ما مرجع ذلك؟

– بل موراي في «مفقود في الترجمة» هو كما وصفت، والسبب أنه لمس ما هو مفقود في حياته «العيش في كنف عائلي». وتعيده الأيام التي يقضيها مع ابنته إلى حقيقة أن كل ما هو حوله ما عاد يثيره على الإطلاق. لا النجومية ولا العمل ولا نوعية الحياة الرغدة التي يؤمنها نجاح الممثل عادة.

في ذلك الفيلم ابتعاد واضح عن كليشيهات الأفلام العاطفية.

– الابتعاد عن المتوقع يناسبني تماماً. ليس وارداً أن أعمد إلى كتابة أو إخراج أحداث ذات نمط مستهلك. نعم كان يمكن لي مثلاً أن أصوّر بطل الفيلم سعيداً بحياته على نحو أوضح بكثير مما فعلت، أو أن أبدأ بنقيض متكامل مع ما انتهيت إليه، لكني تجنّبت ذلك.

في أغلب أفلامك، هناك حكاية تسرد العلاقة الاجتماعية بين رجل كبير وفتاة شابة، ربما هذا ما سنراه في فيلمك الجديد. ما السر؟

– حكاياتي لا ترتبط بشخصيات حقيقية فيها، لكنها تستخلص من مداركي واهتماماتي الخاصة. أتابع شخصياتي كما لو كانت تعيش بالقرب مني، وهي بلا شك متأثرة بتجاربي الشخصية في كل شيء. لقد عايشت تجارب والدي حين كنت صغيرة لكني لم أخرج منها بقصّة. سيناريوهات أفلامي كُتبت بعيداً عن حياتي الخاصة، لكنها تستفيد من هذه الاهتمامات.

هل تُطلعين والدك على المشاريع التي تريدين تنفيذها من باب الأخذ بالرأي؟

– أطلع والدي بالطبع على ما أقوم به واستمع لرأيه في أكثر من مناسبة، لكن فيلمي يبقى عملي الخاص رغم ذلك. لا أطلب منه الجواب أو الحل لكني أنصرف إلى تنفيذ ما أراه، فالفيلم هو خاص بي ويحمل وجهة نظري. لكني أحب أن أقول له مثلاً: «بابا لديّ فيلم جديد يدور حول كذا».

لماذا تعتمدين على ممثلين وممثلات بدؤوا العمل في السينما في سنّ مبكرة مثلك؟

– هذا شيء مستخلص من بداياتي بلا شك، لكني لا أستطيع تفسيره حقيقة. ربما هو التقدير لإصرارهم على البقاء في العمل كممثلين وصمودهم خلال حقبات طويلة من الحياة. عندما وعيت على الحياة وجدت نفسي في وسط هذا الحقل الواسع من العمل السينمائي. كنت أمثل وكنت محاطة بعائلة من الفنانين ووالدي من المخرجين المرموقين. لكن لفترة لاحقة من حياتي بدأت أخطط للأفلام التي أريد أن أحققها. ووجدت طاقة غريبة في البقاء مع فترة نشأتي.

اخترتي ستيفن دورف في «ذا بلينج رينج» وكولين فارل في «المخدوعات» وبل موراي في «مفقود في الترجمة» وفيلمك المقبل «أون ذا روكس». ما هو القاسم المشترك بين هؤلاء؟

– لا يوجد قاسم مشترك بين موراي ودورف أو فارل. ويعكس موراي شخصية الرجل الذي عاش حياة عريضة مملوءة بالتجارب وانتهى وحيداً. لكن دورف وفارل من صنف آخر. عندما فكرت بدورف كنت أبحث عن شخصية رجل ما زال على مفترق الطرق. فارل شخصية بريئة بعض الشيء لكنها تفقد براءتها سريعاً. طبعاً كنت استطيع اللجوء إلى غيرهما من الممثلين لكني أحكم على صلاحية كل ممثل في الشخصية التي أكتبها. هذا يعني لي الكثير لأني أؤمن بأن النجاح يبدأ من اختيار الممثل والممثلة المناسب للدور.

ماذا عن ستيفن دورف في «ذا بلينج رينج»؟

– كنت أريد ممثلاً خبيراً في هوليوود من دون أن يكون نجماً بالضرورة. وستيفن كان ذلك الشخص تحديداً، فهو ممثل معروف، وفي الوقت نفسه ليس نجماً مثل توم كروز أو توم هانكس مثلاً. الدور لا يتطلب محاكاة لأي منهما، بل لممثل في مطلع شهرته وهذا ما يعكسه ستيفن جيّداً.

شاهد أيضاً