«ساعة البيت».. السحر في الشكل والمضمون

مارلين سلوم

في الظاهر، يميل صناع الأفلام الحديثة إلى جذب الجمهور من باب اللعب على التشويق، وبث الرعب في النفوس. أما في الباطن، فكثير من هذه الأفلام يأتي إما غارقاً في الجريمة والدماء بشكل مقزز، وبلا أي فائدة، وإما ظريفاً كوميدياً بجرعات مخففة من الرعب الحقيقي. «البيت ذو الساعة على الحائط» من هذه النوعية المحببة، التي تلقى إقبالاً وقبولاً من قبل الجمهور، خصوصاً العائلات، والأطفال.
اسم الفيلم طويل ويمكننا اختصاره ب«ساعة البيت»، وهو مأخوذ عن رواية جون بيليرز بالاسم نفسه. منذ بدايته، وربما منذ مشاهدتك للملصق الدعائي له، يخيل إليك أنك أمام جزء جديد من فيلم الرعب الكوميدي العائلي «صرخة الرعب»، أو «جوزبامبس» (2015)، -قصة سكوت ألكزندر، كتابة سينمائية دارن ليمكي، إخراج روب ليترمان- مع فارق طبعاً في تفاصيل القصة. ليس وجود الممثل جاك بلاك في العملين هو الجامع المشترك، بل إن روح العمل واحدة، ويُخيل لك أن المخرج واحد أيضاً، خصوصاً أنه استعان ببعض الرموز والدمى المسكونة بالأرواح التي تتحرك ليلاً داخل المنزل الغريب، تماماً كما رأيناها في «صرخة الرعب» الذي سيصدر الجزء الثاني منه قريباً.
مخرج «ساعة البيت» إيلي روث، سبق له أن قدم أفلام جريمة وغموض، وهو مخرج ومؤلف فيلم الرعب الشهير «هوستل» (2005) ونال عنه جوائز. لكنه هنا أراد تلطيف الأجواء لكسب ود الجمهور، والتقرب من الأطفال، فجعل من «ساعة البيت»، وبالتعاون مع كاتب السيناريو إريك كيبكي، فيلماً عائلياً بامتياز، يمشي على حافات الرعب من دون أن يغوص فيه، ويكثر من التشويق، والغموض، والكوميديا، ليضمن إقبال جمهور الشاشة الفضية، ويكون العمل صالحاً لمختلف الأعمار. الفيلم جيد، وإن كنت تشعر بأنك رأيت مثله الكثير من قبل.
الفيلم ساحر، ويحكي عن عالم السحر. يعود بنا إلى العام 1950، وقد برع المخرج في تقديم أجواء الخمسينات بدقة، ولم تفته أي تفصيلة صغيرة، من الأزياء والأكسسوارات والملابس، إلى الأحياء، والمدارس، والسيارات، ووسائل النقل.. روث ربما أراد الالتزام بخط «الرعب الظريف»، فجمع في أشكال شخصيات الفيلم ما بين «فرانكنشتاين» عند ظهور إسحاق (كايل ماكلاكلان) بعد موته وعودته من القبر، وبين الدمى التي رأيناها في «صرخة الرعب» وكثير من أفلام الرعب، واليقطين المخيف الذي اعتدنا رؤيته في أفلام الرعب، خصوصاً التي تصدر في «الهالوين».
نعود إلى عام 1950 حيث يأتي الخال جوناثان بارنفيلت (جاك بلاك) ليأخذ ابن أخته بعد وفاة والديه. يعرف الطفل اليتيم لويس (أوين فاكارو) ابن العشرة أعوام أن خاله غريب الطباع، ولكنه لم يكن يعرف الكثير من التفاصيل، وأنه يعيش في بيت غريب جداً. ساعات معلقة على الجدران بشكل لافت، أبواب عالية، وحيوانات ضخمة جداً، لكنها أليفة، كرسي يمشي ويتحرك وحده، وأصوات يسمعها لويس ليلاً من دون أن يعلم مصدرها. فلورانس زيمرمان (كايت بلانشيت) امرأة جميلة وغامضة أيضاً، صديقة جوناثان لكنهما لا يتفقان كثيراً، وما يجمعهما في هذا المنزل هو السحر الذي يكتشفه لويس فوراً، لأنه سبق أن سمع من أمه أن خاله يحب السحر، ويتقنه.
وكالعادة، يتعرض الطفل للتنمر في مدرسته الجديدة، لكنه وبمساعدة خاله، يتعلم كيف ينمي قدراته، ويتعلم السحر، ويستخدم بعض ألاعيبه لينتصر على زملائه. ولكي يصدقه أفضل طالب والأكثر شعبية في المدرسة تاربي كوريجان، يأتي لويس بزميله ليتأكد أن خاله ساحر، ويرى البيت الغريب، والساعات الكثيرة على الجدران. تاربي يأمر لويس بفتح الصندوق السري المغلق الذي منعه جوناثان من فتحه «لأنه خطير». يستجيب لويس ليفهم هو أيضاً سر اللغز الذي يخفيه خاله، وتقع المشكلة الكبرى مع عودة إسحاق من القبر، ومعه زوجته الساحرة الشريرة سيلينا (رينيه جولدزبيري)، ودخولهما منزل جوناثان للحصول على المفتاح السري الوحيد القادر على تشغيل ساعة الزمن التي ستمحو كل الكائنات عن وجه الأرض فتكون نهاية العالم.
وتشتد الحبكة، وتتعقد الأمور ليصبح لويس البطل المنقذ، والوحيد القادر على وقف عقارب الساعة. تلك المشاهد المملوءة بالأكشن والتوتر والخوف الذي يشعر به الأطفال من إسحاق وسيلينا من جهة، وخوفهم على لويس وجوناثان وفلورانس من جهة ثانية، تتضمن الكثير من السحر المشهدي، والغنى في تحريك كل العوامل والأدوات والأشياء داخل المنزل وفي محيطهم، لتتآمر على «الثلاثي الطيب». وتتعقد الأمور أكثر فأكثر من دون أن تصبح دموية، بل تتخللها الكثير من المواقف المضحكة، والمشاهد الهزلية، مثل تحوّل جوناثان إلى طفل برأس كبير، ولحية عندما ضربته بعض شرارات العودة بالزمن. القصة جميلة، والإخراج يفي العمل حقه، وإن كان روث لم يجتهد في الخروج من عباءة الأفلام المشابهة والتي تقدم «الرعب الطفولي»، مستخدماً الأدوات نفسها بدل البحث عن جديد يبتكره. حتى إن الأطفال أنفسهم توقعوا ظهور بعض «الأشرار» في الحديقة قبل ظهورهم فعلياً على الشاشة، كما بإمكانه عدم استعارة مشهد تحوّل الدمى «الصديقة» في بيت جوناثان إلى شريرة وتحاول جميعها أن تنقض عليه، تماماً كما حصل للبطل ستاين في «صرخة الرعب» وأداهما في العملين النجم جاك بلاك.
كالعادة تلعب أغلبية أفلام الخيال العلمي على تيمة واحدة وهي «نهاية العالم»، والبطل الوحيد القادر على إنقاذ البشرية من الزوال والأرض من الدمار. السحر في هذا العمل يبدو سهلاً جداً، وفي متناول الجميع، والطفل اليتيم لويس استطاع أن يتعلمه بلمح البصر. المخرج استخدم التقنيات للإبهار، تماماً مثل أفلام دكتور سترينج، وهاري بوتر، وإن كانت بشكل مبسط، وأقل تكلفة، معتمداً على الديكور المميز داخل البيت أكثر من خارجه. بعض اللقطات والشخصيات لم يكن لها داع، جاءت مجرد حشو لا أكثر، مثل الطفلة روز ريتا التي كانت تراقب لويس طوال الوقت في المدرسة، وبنظرات تزرع في المشاهدين الشك حولها، فتوقعنا أن يكون لها أي دور في القصة، وأن نفاجأ بها «ساحرة» مثلاً، أو أنها تخفي سراً ما له علاقة باللغز، فإذا بها مجرد زميلة معجبة بلويس، منذ البداية وبصمت.

بلاك وبلانشيت.. ثنائية ناجحة وأداء متميز

جاك بلاك نجم متألق في مثل هذه الأعمال، ومتوقع أن نراه قريباً في الجزء الثاني من «صرخة الرعب»، والعام المقبل في جزء جديد من فيلم التشويق الكوميدي الناجح «جومانجي».
أما كايت بلانشيت فبدت مناسبة تماماً لدور الساحرة الفرنسية «سيدة الليلكي» طيبة القلب والقاسية، الراغبة في الانتقام والمكبّلة بسبب ضعف قوتها. ملامحها الحادة ساعدتها في اللعب بين الشر والطيبة، وبين القسوة واللين. وشكلت مع بلاك ثنائياً ظريفاً وناجحاً، خصوصاً أنهما يتشاجران معظم الوقت ويتّحدان عند الحاجة، بينما يمسك دفة الأمور بكل ثقة الطفل لويس الذي أداه أوين فاكارو بتميز أيضاً.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً