«جرائم جريندلوالد».. فيلم ممتع ومتعب في آن

مارلين سلوم

قبل عامين وتحديداً في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وضعتنا الكاتبة جي كي رولينج على خط درامي جديد لسلسلتها الشهيرة «هاري بوتر». انطلقت برحلة العودة إلى الجذور لتقدم لنا تاريخ شخصياتها، من أين أتت وكيف كانت ولماذا أصبحت ما أصبحت عليه في السلسلة الأشهر في عالم القصص الخرافية والخيال العلمي «هاري بوتر»؟ كتبت خمسة أجزاء وضعتها في سلسلة جديدة باسم «الوحوش المدهشة»، شاهدنا أولها «الوحوش المدهشة وأين نجدها؟» قبل عامين، وها هو الفيلم الثاني ينطلق في الصالات بعنوان فرعي «جرائم جريندلوالد».
الكاتبة تعود إلى ما قبل ولادة بطلها الرئيسي هاري بوتر، بأكثر من 65 عاماً، لتقدم المجموعة «الأساسية» التي أسست مدرسة السحر «هوجوورتز» منطلقة من «كونجرس السحر» الأساسي في أمريكا. ولأن رولينج لا تتخلى عن حبها لأوروبا، فهي تنتقل بأبطالها من أمريكا إلى لندن، وتضيف إليها في هذا الجزء باريس، حيث نشهد الجزء الأهم من الأحداث.
ما يميز هذه السلسلة أن جي كي رولينج، خاضت فيها الكتابة الورقية القصصية، ومن ثم تحولت إلى كاتبة سينمائية، فوضعت السيناريو بنفسها، وحافظت على علاقتها الطيبة بالمخرج الوحيد لكل أعمالها دايفيد ييتس، الذي عرف كيف يفصل بين سلسلة «هاري بوتر» وسلسلة «الوحوش المدهشة» من حيث الشكل والأجواء وألاعيب السحر.. ولا ننسى أن هذه النوعية من الأفلام تفقد قيمتها وتفشل جماهيرياً، إذا لم تجد مخرجاً قوياً يضع المؤثرات البصرية والصوتية والموسيقى في مقدمة اهتماماته، فتكون البطل الرئيسي ومن بعدها يأتي النجوم مهما علا شأنهم. وهذا ما فعله ييتس، معتمداً على الحركة السريعة والمشاهد اختفاء الشخصيات وظهورها المتكرر وبلمح البصر أي بشكل خاطف، منطلقاً في بداية الفيلم من المعركة الشرسة التي يخوضها جريندلوالد – جوني ديب الغامض والذي تليق به هذه الأدوار- عند هروبه من السجن، على متن عربته المحلقة في الفضاء.
الإبهار والتشويق حاضران بقوة منذ بداية الفيلم وحتى آخره. وتنطلق الأحداث من حيث انتهى الجزء الأول، مع ظهور جريندلوالد في اللقطة الأخيرة، ليكون بطلاً منافساً ومحركاً للأحداث في هذا العمل، مجسداً وجه الشر، الساحر العائد للانتقام وتدمير السلام في العالمين «السحري واللاسحري». أما البطل الرئيسي في سلسلة «الوحوش المدهشة» فهو نيوت سكامندر، يؤديه إدي ريدماين محتفظاً بنفس ملامحه وأدائه مشيته ونظرته، التي تظهر خجلاً وتخفي ذكاء حاداً، وطيبة تدفعه لتحدي الكونجرس فيعرّض نفسه للخطر، عندما يطلب منه تنفيذ عملية يشم فيها رائحة شر أو قتل. وطبيعي أن ينتصر الشرير جريندلوالد ويزداد شراسة مع بداية الفيلم، بينما يجد سكامندر صعوبة في تأدية مهمته في باريس التي كلفه بها ألبوس دامبلدور والذي يظهر لأول مرة شاباً، يجسده جود لو.
جميل الفيلم وإن لم يحقق الأرباح المرجوة منه في بداية انطلاقته (62 مليون دولار)، ويعتبر الرقم الأقل في عائدات «هاري بوتر» كلها وطبعاً أقل من الجزء الأول من «الوحوش المدهشة». لا يمكن الحكم عليه حالياً، لأنه يحمل كل مؤهلات النجاح كأحد أهم أفلام الخيال العلمي. ولولا إصرار جي كي رولينج، على جعل هذه السلسلة الجديدة متاهة حقيقية، وأحجية عليك فك رموز وأسماء شخصياتها وعلاقتها ببعضها البعض وهي تتدفق بكثافة منذ المشهد الأول، لاستمتعنا بالعمل أكثر ولاستطاع أن ينافس السلسلة الأولى بجدارة، حيث يبدو الجهد الذي يبذله المخرج كبيراً.
لا نفهم لماذا هذا الكم من الشخصيات، والغموض في هويتها ونواياها، ما يرهق الجمهور ويشغله عن التدقيق بالتفاصيل والاستمتاع بالمشاهدة، لينطلق في رحلة البحث عن فك الألغاز. أسماء تتوالى عليك أن تحفظها وتتذكرها لتفهم العلاقة فيما بينها. يمتد الفيلم لأكثر من ساعتين، ولا تشعر أن الصورة اتضحت فعلياً إلا بعد مرور النصف الأول منه. ممتع ومتعب في آن، لن نحرق الأحداث بسرد تفاصيلها، إنما الحدث الأهم أننا نكتشف طبيعة العلاقة بين جريندلوالد ودمبلدور، ونفهم من هو الطفل المفقود الذي يبحثون عنه، ولماذا كريديس بيربون يبحث بدوره عن أصوله وعائلته.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً