تونس.. النموذج والمثال

فيصل عابدون

تضيف عملية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تونس دليلاً جديداً على تعمق الفكر والممارسة الديمقراطية في هذا البلد العربي. فالديمقراطية التونسية ليست عملية فوقية شكلية خالية من المضمون لكنها انعكاس حقيقي لسلطة الشعب والدولة المدنية. وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والأمنية التي لا تزال ماثلة، فإن مكانة الدولة التونسية قد تعززت بلا شك باعتبارها النموذج والمثال لنجاح الثورة في تحقيق التحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية والحرية وصيانة حقوق الإنسان.
لقد كانت تونس هي البؤرة والشرارة الأولى لانطلاق الموجات الاحتجاجية الهائلة لما يسمى «الربيع العربي» الذي اجتاح مناطق واسعة ودولاً عديدة، وهي أيضاً تكاد تكون الناجية الوحيدة من تلك الموجات التي اصطدمت في مراحلها اللاحقة بصخور عاتية بددت طاقاتها وأغرقتها في مستنقعات الفوضى والحروب الأهلية والعنف المتطرف.
اندلعت الثورة التونسية التي أطلق عليها اسم «ثورة الحرية والكرامة» في ديسمبر من العام 2010، بمسيرات تضامن مع الشاب محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده تعبيراً عن الغضب على عنف السلطة التي صادرت العربة الصغيرة التي يكسب منها قوته وتجنبه شر البطالة المتفشية. وتحولت المسيرات بسرعة إلى حركة شعبية مطلبية عاتية اجتاحت المدن الكبرى.
نجحت الثورة التونسية في إزاحة نظام الرئيس السابق بن علي، وتجاوزت المرحلة الانتقالية بكل تعقيداتها ومخاطرها، وأفلحت في احتواء موجة الإرهاب التي أطلت برأسها وطرحت تحديات أمنية وهددت الاستقرار. ونجحت الثورة التونسية في النهاية في تطبيع الوضع السياسي وقادت هذه الخطوة إلى إجازة الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأولى.
إن الثورة التونسية تطرح نموذجاً للنجاح. لكنه نجاح يرتبط في جانب منه بالبيئة الاجتماعية التونسية نفسها. فهي بيئة متجانسة. وبحسب توصيفات الدكتور صبحي غندور، فإن خصوصية المجتمع التونسي في تركيبته الدينية والعرقية وعدم وجود تعددية طائفية أو مذهبية أو عرقية قد يسر نجاح الثورة. حيث إن هدف الجميع كان واحداًَ وليس لكل طائفة دينية أو عرقية أهدافها المختلفة. لذلك فلو حدثت التجربة التونسية في دول أخرى ذات تعددية دينية أو إثنية فربما تكون النتائج مختلفة.
أما العوامل الأخرى لنجاح التجربة وهي عوامل حاسمة بالفعل، ومن الممكن تطبيقها في مناطق أخرى باعتبارها وسائل واستراتيجيات تضمن نجاح الحراك الجماهيري وتحقيق أهدافه. فإنها تتلخص في طابع الثورة السلمي ووجود اتحاد النقابات الشديد الفعالية والذي حمى مسار الثورة التصاعدي في العديد من المنعطفات الخطرة. كما أن تصدي شبان مغمورين لتنظيم حركة الاحتجاجات ورسم استراتيجياتها وطرق عملها بعيداً عن زعماء السياسة العاجزين عن تولي القيادة، تسبب في إرباك الأجهزة الأمنية وأحبط خططها التقليدية في ملاحقة قادة الانتفاضة وبالتالي احتواء الموجات البشرية في الشارع.
عامل آخر من عوامل نجاح التجربة التونسية تمثل في وجود جيش وقف على الحياد واكتفى بحماية المنشآت الاستراتيجية ورفض النزول إلى الشارع لقمع المتظاهرين وإطلاق النار عليهم. هذه الاحترافية العسكرية ذاتها هي التي أنقذت الفترة الانتقالية عندما واجهت بروز الجماعات الإرهابية وتمكنت من تحجيمها واحتواء خطرها على الديمقراطية الناشئة.

Shiraz982003@yahoo.com

Original Article

شاهد أيضاً