بين الرأي والتضليل

شيماء المرزوقي

نسمع دوماً من يردد تلك المقولة عن تعدد الآراء وتقبلها وأن الاختلاف لا يفسد للود قضية. وهناك سيل كبير من الأصوات التي تدعي سماعها الصوت الآخر، وأنه يجب علينا أن نصغي لمن يختلف عنا ومعنا ومن يعطي وجهة نظر مغايرة. وهذا جميعه كلام جميل، ولكن البعض يدمج بين الحقائق والأكاذيب ويستظل بمظلة حرية الرأي لإنجاز عملية التزوير.
مع الأسف، مثل هذا الدمج واضح ونراه في مختلف المفاهيم الحياتية، هو دمج غير بريء أو غير نزيه، حيث يمكن أن تسمع أحدهم يصف وقائع لا أساس لها من الصحة، أو آخر يدعي وجود أمور ليست على أرض الواقع نهائياً، وعندما توقفه وتطلب منه البرهان والدليل، يخرج من يقول: «بأي حق تقوم بإسكاته؟ هذا تعبير حر عن الرأي». المشكلة في عالمنا العربي تحديداً أن هناك من يوظف القيم والمبادئ لخدمة تطرفه ولخدمة مشروعه الهدام، وتحت مقصلة حرية الرأي على الجميع الصمت أمام التزوير والأكاذيب، وعندما أقول: مقصلة فلأن هذه الحرية في هذا الجانب تسبب أذى وتهدم الحقيقة.
حرية الرأي في القضايا النقاشية التي فيها مساحة لتبادل وجهات النظر أمر جيد ويمكن أن يثري ويفيد، بل قد يقود نحو إظهار العيوب ومعالجة الخلل، أما في المواضيع المحسومة الثابتة التي تمس الأمن والاستقرار، أو تمس حياة الناس كيف يمكن تقبل كلمات هدامة وكلمات تشكك وتعطي معلومات خاطئة؟
على سبيل الماثل لا الحصر عندما تقرأ لأحدهم كلمات تتحدث عن واقع متدهور اجتماعياً واقتصادياً في مكان ما، وأنت تعيش في هذا المكان وترى وتلمس عدم صحة هذه الكلمات، هل يمكن أن تعتبر ما كتب رأياً أو تضليلاً متعمداً؟ مثل هذه الثنائية: الحقيقة والتزييف مع استخدام الرأي وسيلة، ليست حديثة في زمننا هذا، بل هي قديمة جداً ويكفي أن نقرأ للفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون، كلمات في هذا السياق لندرك البعد الحقيقي لمثل هذا الاستغلال، حيث يقول: «الرأي شيء بين العلم والجهل».
من الجميل أن يعبر الإنسان عن رأيه ولكن إن كان الموضوع يحتمل الرأي المختلف، أما التحدث عن ثوابت ومواضيع مسلم بها بما يغاير الواقع ويجانب الصواب، بمعنى الكذب، ثم يتم تصنيف هذا الفعل تحت بند حرية الرأي، فغير مقبول ويعتبر تضليلاً، ويجب أن يتلقى العقاب عليه.
ومن هذه النقطة تحديداً يجب علينا الفصل بين الآراء وتبادلها وإيراد معلومات يمكن أن تكون خاطئة.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

Original Article