بينيلوبي كروز: مراقبة الناس بداية شغفي بالتمثيل

محمد رُضا

في زمن مضى كانت هناك صوفيا لورين وجهاً إيطالياً شهد نجومية فائقة، كانت هناك بريجيت باردو التي نقلت فرنسا المغرية إلى العالم. لجانبهما كانت كلوديا كاردينالي، وجينا لولو بريجيدا، وإرين باباس، وسواهن الكثيرات. كلهن جئن من أوروبا، وبرعن فيها قبل وبعد انتقالهن إلى «هوليوود» للتمثيل في بعض أفلامها.
بينيلوبي كروز تنتمي إلى ذلك العنقود الجميل لنجوم السينما الآتيات بثقافتهن، وشخصياتهن، وبنجاح. بدأت التمثيل في سن مبكر وداومت على العمل منذ العام 1992 وحتى اليوم وبلا انقطاع. حين تسأل منتجين ومخرجين حولها تجدهم يتمنون العمل معها. ذلك ليس بسبب اسمها فقط، بل بسبب أن الكاميرا تحب وجهها.
هي في الرابعة والأربعين من العمر اليوم، لكنها تبدو أصغر بنحو عشر سنوات.
مؤخراً، ظهرت في فيلمين تلفزيونيين ونالت ترشيحاً رسمياً كأفضل ممثلة في جوائز «إيمي» (المقابل التلفزيوني لجوائز الأوسكار)، وهذا الأسبوع تنتقل للوقوف أمام الكاميرات السينمائية من جديد، وفي فيلم من إخراج بدرو ألمادوفار الذي يعتقد، كما قال، أنها أفضل ممثلة حالياً.

كنتِ محط توقعات كبيرة بالفوز بجائزة إيمي التلفزيونية عن دورك في «اغتيال جياني فرسيس»، ومصدر ذلك يعود إليك بالطبع، كما كتب النقاد، لأنك قمت بالدور على نحو مؤثر. كيف بدأ اهتمامك بهذه الحلقة التلفزيونية؟

– بدأ من قبل أن يتصل بي المخرج برايان مورفي ليعرض علي السيناريو. كنت اهتممت بمصمم الأزياء فرسيس الذي مات قبل عشر سنوات في حادثة إطلاق نار. اهتمامي كان شعوري بالأسف لأنه كان مصمم أزياء عالمياً، رغم أن الفرصة لم تُتح أمامي لارتداء شيء من تصاميمه، بعدما قرأت السيناريو ازدادت رغبتي في تمثيل الدور، وقبلت على الفور.

لعبت دور شقيقته دوناتيلا. هل كانت هناك تحفظات بالنسبة إليها؟

– أعتقد أن العائلة لم ترحب كثيراً بفكرة تحقيق عمل مصوّر عن جياني. كانت تخشى أن يأتي العمل استغلالاً لفقيدها، لكن رغم ذلك اتصلت بدوناتيلا وتحدثنا حول الموضوع، وأخبرتني في النهاية أنها لا تمانع في أن أكون أنا من يمثلها على الشاشة، طالما أن الفيلم التلفزيوني سيتم تحقيقه على أي حال بمعارضة العائلة، أو قبولها.

كنت أول ممثل إسباني ربح الأوسكار عن دورك في «فيكي كرستينا بارشلونة» سنة 2009. هل لديك تفضيل معين؟ هل الأوسكار أهم لديك من إيمي؟

– لا ليس بالضرورة. أنا فخورة بفوزي بالأوسكار. كان هدية من السماء، لكن لو فزت بجائزة «إيمي» هذا العام كنت سأفرح بها على نحو متساوٍ. أرى أن هاتين الجائزتين تكملان بعضهما بعضاً.

متى بدأت تشعرين بأنك تريدين أن تصبحي ممثلة؟

– منذ سنوات مبكرة. كنت في السادسة عشرة عندما أخذ التمثيل يستهويني.

لماذا أحببت التمثيل؟ ما الذي كان دافعك الأول له؟

– أحببت التمثيل لأنني كنت مهتمة كثيراً بمراقبة الناس. كنت كثيرة الاهتمام بسلوك من أقابلهم، أو حتى من أراقبهم من بعيد، ووجدت أن الفيلم يمكنني من مواصلة مراقبة الممثلين، والممثلات. ثم أصبحت بدوري حبيسة هذا الشعور بأني أريد أن أصبح ممثلة.

} ما هي الأفلام الأولى التي تتذكرين أنك شاهدتها في تلك الفترة؟

– لا أذكر عناوين الأفلام، لكني أذكر أن أهلي كانوا يحبون مشاهدة الأفلام كثيراً، كل نوع من الأفلام، والدي في الحقيقة اشترى جهاز عرض لأفلام الفيديو. حيث كانت على أشرطة، إذا كنت تتذكر، وكان والدي أول من اشترى الجهاز في الحي الذي نعيش فيه.

كانت هناك أجهزة تلفزيون تضعين فيها الشريط.

– نعم. لاحقاً استغنينا عن الجهاز المنفصل، لكنه ما زال ذكرى طيبة.

هل ما زلت شغوفة بالتمثيل بعد أكثر من عشرين سنة على بدايتك؟

– جداً. لا أعرف ممثلاً يستطيع أن يتوقف عن هذا الشغف، لكني أعتقد أن البعض يفعل، وقد ينسحب من العمل في السينما تماماً.
ما هو الدور الذي يعجبك أكثر من سواه؟ عمّ تبحثين عندما تقرأين سيناريو جديداً؟

– بطبعي أحب التنويع. والسيناريوهات التي استلمها تتيح لي العديد من الأدوار المختلفة، وهذا يثيرني لأني لا أريد تكرار نفسي ليقول عني النقاد أنني ظهرت بدور مشابه قبل سنوات في فيلم سابق. لذلك لا أحب أن ألعب الشخصية نفسها مرتين. هذا ليس سهلاً، لأن الشخصيات قد تتشابه من حين لآخر، ولا تستطيع أن تمنع نفسك عن العمل لأنك لعبت دوراً مشابهاً قبل ثلاث، أو أكثر. لكني أحاول على أي حال.

ماذا عن المخرجين؟ كيف تقيّمين تجربتك مع ألمادوفار، أو وودي ألن مثلاً؟

– علاقتي المهنية به بدأت قبل العمل معه في فيلم «جامون جامون»، وهو الفيلم الذي حولني إلى ممثلة معروفة لأول مرّة. كان سبب انطلاق نجومية زوجي خافييه باردم . قبل ذلك كنت أتابع أفلامه دائماً، وكنت أعرف كم هي مختلفة عن الأفلام الإسبانية الأخرى، وكنت أحبها لهذا السبب.
ما هو سر ألمادوفار في رأيك؟ لماذا هو المخرج الذي يسعى كل مهرجان سينمائي لاستحواذ أفلامه؟

– تعرف شيئاً؟ سألت نفسي هذا السؤال في كل مرّة مثلت تحت إدارته. مثلت معه أربعة أفلام، ولدي فيلم خامس على الطريق اسمه «ألم ومجد». ودائماً ما كنت أدرك أنه لو لم يكن مخرجاً جيداً لما بلغ هذا الشأن من الأهمية.

وبالنسبة لوودي ألن؟ مثلت له أحد أفضل أفلامه الأخيرة، ذلك الذي نلت عنه الأوسكار.
– صحيح. وودي يختلف كثيراً في أسلوب العمل عن ألمادوفار. رغم وجود تشابه في الاهتمام بالتفاصيل، وبطريقة التوجيه، لكن كل منهما يكتب سيناريوهاته بنفسه غالباً، وكل يهتم بإثارة قضاياه الخاصة.

هل رفضت مؤخراً عرضاً جيداً لأنك لم تشعري برغبة في تمثيل الدور المعروض عليكِ؟

– نعم. في العام الماضي رفضت عدة عروض بسبب ما ذكرته لك سابقاً حول الشخصيات المتكررة. قبل شهر قرأت سيناريو كان يمكن لي قبوله لكني آثرت عدم الإقدام عليه لأنني مشغولة. أعتقد أن هذا يحدث مع الممثلين جميعاً، وليس مع ممثل دون آخر. هناك أوقات معينة أريد أن أخلو بنفسي بعيداً عن المشاغل، وأحياناً أريد أن أعمل، وبكثرة. في بعض الأحيان لا أجد سيناريو أريد التمسك به، وقبوله، وفي أوقات أخرى أجد عندي خمسة مشاريع كلها جيدة.

‫كيمياء في القطار‬

قرأت أن الكيمياء بينك وبين ميشيل فايفر وجودي دنش كانت رائعة خلال التصوير. هل هذه مغالاة إعلامية؟

– لا. كنا سعداء بالعمل معاً. ولأننا تمتعنا بكثير من الوقت الفائض انبريت لتعليمهما لعبة مخيفة قليلاً كنت أمارسها وأنا صغيرة، علمت ذلك عندما جاءت فايفر لتقول لي إنها لم تستطع الخلود للنوم بسببها.

إلى جانب «اغتيال جياني فرسيس» ظهرت في فيلم تلفزيوني آخر هو «في حب بابلو» مع أنطونيو بانديراس. كيف توفقين بين السينما والتلفزيون في هوليوود، وفي أوروبا، والاعتناء بالأسرة في وقت واحد؟

– عندما اختار العمل الذي أريد الاشتراك فيه لا أعمل على مشروع آخر، لا يهمني قراءة سطر واحد من مشروعي المقبل، انصرف لما أقوم به كلياً، وذكرت لك أنني في بعض الأحيان أحب كل المشاريع التي تصلني وأحاول تمثيلها بالترتيب المتاح في الظرف المعين، بالنسبة للأسرة، هي ترافقني غالباً، ابنتي إما معي وإما مع أبيها، وإذا كنت أمثل في فيلم مع خافييه فهي معنا دائماً.

هناك الأوسكار. هل سيدخل «الكل يعلم» الترشيحات؟

– آمل ذلك. أنا وحدي لا أستطيع التكهن، لكن هناك من يعمل على هذا الموضوع.

لكن ماذا لو ترشح ولم يستطع المخرج دخول الولايات المتحدة؟ لقد سبق أن تعذر عليه حضور المهرجان قبل عامين.

– هذا مؤسف. الفنان يجب أن يعامل بعيداً عن السياسة. هناك الكثير من السياسة في عالمنا، وهي تتدخل في كل شيء، وتفسد كل شيء.

توقفت عن الباليه

تقول كروز، أحببت الباليه في سن الثامنة عشرة قبل التمثيل. إذ بدأ معي عندما كنت فتاة صغيرة وأتذكر أنني في عمر الرابعة أردت أن أرقص وأمثّل دور كارمن. لكن لاحقاً أدركت أن رقص الباليه والاستعراض الكلاسيكي والمسرحي هو أيضاً تمثيل. عندما أدركت ذلك توقفت عن الرغبة في الرقص.

لا أكترث بآراء النقاد

حول رد فعلها في فيلم «جريمة في قطار الشرق السريع»، الذي لم يلق نجاحاً نقدياً ولا تجارياً، ترى أن القيمة الحقيقية لأي فيلم هي الرغبة التي تتفاعل في صدور العاملين لكي يقوموا بالتمثيل معاً. وفي هذا الفيلم كنت واحدة من 13 ممثلاً وممثلة من كبار النجوم كينيث براناه نفسه وميشيل فايفر وجوني دب وجودي دنش وويلم دافو، كيف أفوت مثل هذه الفرصة. لكن في مقدمة الأسباب التي من أجلها قلت نعم إن براناه مخرج وممثل رائع. لا أكترث لما كتب النقاد عنه. تعلمت ألا أهتم لمعظم ما يكتبونه. هم مهمّون إعلامياً لكن الممثل لا يصدق أو يكذّب آراء النقاد بالضرورة بل يعمل بمقتضى موهبته.

شاهد أيضاً