بنثيو دل تورو: الشعور بالنجومية يعني النهاية

هوليوود: محمد رُضا

في العروض الجديدة، ولو في نطاق جيد، يظهر الممثل بنثيو دل تورو في فيلم تسجيلي يدور حول الممثل السابق روبرت ميتشوم بعنوان «الفتيات اللطيفات لا يبقين حتى الفطور». في الفيلم يدلي الممثل برأيه في الممثل الراحل. يقول عنه، إنه استمد بعض صورته الشخصية من تمثيل ميتشوم، وأن ميتشوم كان الممثل الذي أقنعه ب«أنكَ تستطيع أن تصبح ممثلاً معروفاً ومحبوباً، سواء لعبت أدواراً بطولية أو أدواراً شريرة».
في الواقع، وتأكيداً على هذا الرأي، هناك تشابه بين الطريقة التي مثل فيها روبرت ميتشوم دوره، وبين تلك التي يمثلها فيها بنثيو دل تورو دوره. فكلاهما يلعب دوره كما لو كان يعكس نفوراً من الشخصية التي يؤديها. على عكس نجوم السينما الآخرين في زمن ميتشوم (مثل كيرك دوجلاس أو بيرت لانكاستر)، وعلى عكس نجوم السينما الآخرين في زمننا هذا (مثل توم كروز ورايان جوزلينج) يوفر كل من ميتشوم ودل تورو أداء لا يكترث فيه لأن يكون محبوباً أو قريباً من المشاهد، بقدر ما يندمج في الشخصية كما يجب أن يؤديها من دون اكتراث للمسافات المرسومة بين أدائه وبين الجمهور الجاهز للتصفيق. يسمون هذا الأداء بالإنجليزية «Anti‪-‬Hero» مفاده استخدام أدوات تمثيل «معادية للبطولة»، وكما كان ميتشوم سيد هذا النوع من الأداء في زمانه، يتبلور دل تورو كسيد لهذا النوع من الأداء في زمننا اليوم.

إحدى أهم صفاتك أنك ممثل تؤمن بالإيماء ؟

– هذا لطف منك أشكرك عليه. بالنسبة لي قررت منذ بدايتي في السينما أن أحذف من الحوار ما لا قيمة له. سؤالي لنفسي أساساً هو لماذا عليّ أن أقول شيئاً واضحاً في أساسه؟ شيئاً ليس بحاجة لأن يُقال حتى يفهم المشاهد ما يدور أمامه؟ القليل مما أقوله يتيح للشخصية أن تتبلور أفضل مما لو شرحت ما تفكر به أو ما تراه في الموضوع المطروح. لماذا عليّ، مثلاً، أن أعلن أن الشخصية التي أقوم بها خائفة إذا ما كنت أستطيع ترجمة هذا الخوف على ملامح وجهي وتصرفاتي؟

هل بالإمكان تطبيق كل المشاعر على هذا النحو؟

– بالتأكيد. كالخوف يمكن للممثل إذا أراد أن يضيف عوامل ومشاعر القلق والثقة والحنان أو القسوة والحب أو مجرد العطف.

لماذا إذاً نجد أن العديد من الممثلين يحتفون بالحوار ؟

– لو كان لدينا اليوم تأثير للمسرح في السينما لقلت إنها عادة مستوردة من المسرح، لكن الأصح أنها عادة سينمائية محضة.

ربما تكون عادة تلفزيونية؟

– صحيح. في كل الأحوال الأفلام التي تعتمد على الكثير من الحوارات ليست تلك التي تبقى خالدة أو تتحول إلى أعمال كلاسيكية جيدة.

حين تقبل تمثيل دور ما كيف تتصرف إذا كان هناك الكثير من الحوار فيه؟

– أتقدم من المخرج وأخبره بطريقتي في العمل. المخرج الجيد هو الذي يصغي وإذا لم يكن لديه مانع مقنع فسيترك للممثل الاحتيار. سيترك له كيف سيؤدي الدور وماذا سيحذف أو يضيف.

وُلدت في بويرتو ريكو. كيف قررت المجيء إلى أمريكا؟

– أوه… إنها حكاية طويلة لكني سأختصرها. لم تكن علاماتي في المدرسة مشجعة. كنت تلميذاً خائباً في الثالثة عشرة من عمره. مربيتي سألتني ذات مرة إذا ما كنت أمانع في السفر إلى أمريكا. قلت لها لا. لم أكن أعلم أن والدي كان قرر الهجرة وما هي إلا أيام قليلة وكنا على متن الطائرة إلى هناك.

ماذا توقعت لنفسك حينها؟

– كنت سعيداً على ما أذكر. تعلمت أن لا أتوقع الكثير على أي حال. إذا قررت أن تفعل شيئاً تحبه فافعله بصدق. أحب أن أرى العالم يسير ببطء. لست مستعجلاً ولا أنظر إلى نفسي كممثل كبير الشأن. إذا فعلت ذلك أعلم أنني انتهيت.

كيف تنظر اليوم إلى هذه النقلة الجغرافية والثقافية والشخصية؟

– أنظر إليها كما لو أنني اخترقت نظرية نيوتن. كنت تلميذاً خائباً وأصبحت ممثلاً سعيداً (يضحك).

هل ما زلت تمارس التمثيل الأكاديمي على النحو الذي درسته في كلية ستيلا أدلر في نيويورك؟

– ما تعلمته هو الأساس لأي ممثل جاد. بعد ذلك تجد أنك تستجيب لأدوار تتطلب منك أن لا تمارس كل منهج ستانسلافسكي لكنك تحاول الحفاظ على بعض الإجادة مهما كان الأمر.

هل تقصد قبولك لأدوار أفلام جماهيرية مثل «ثور: العالم الداكن» أو «ستار وورز: آخر جيداي»؟

– إلى حد كبير نعم، لكن عليّ أيضاً أن أقول إنني أتسلى بتمثيلها. إنها متعة. طبعاً أسمح لنفسي بتفضيل الأفلام الجادة، لكن صناعة هوليوود تنتج أفلاماً للترفيه وليس للفن لذلك أختار بعناية ما أقوم به، وفي حالة وجود فيلمين مختلفين، واحد رصين والآخر ترفيهي، أختار الرصين إلا في بعض الحالات.

أي حالات؟

– إذا كنت أريد شراء سيارة جديدة مثلاً (يضحك).

هل مرّت عليك فترة وجدت مهنتك كممثل لا تتقدّم كما تتمنى؟

– نعم. هل تذكر «خوف وبغضاء في لاس فيجاس» لتيري جيليام؟ بعده شعرت أن مهنتي مهددة يا رجل. أعتقد أن بعض المنتجين خافوا مني، معتقدين أنني كالصورة التي مثلتها في الفيلم. (يضحك).

هل وجدت نفسك مهدداً بأن تعود أدراجك إلى حيث بدأت؟

– تماماً. والفترة التي امتدت من 1995 إلى 2000 كانت فترة صعبة.

لماذا؟

– لأنك تجد نفسك تحارب في سبيل إثبات أنك لست مخيفاً إذا ما اختلفت عما يتوقعونه منك. حسناً، يريدونك في دور شرير، لكنهم يريدونك شريراً كما يعتقدون أن تمثيل الشر يجب أن يكون. عندما لا تفعل ذلك يعتقدون أنك كثير الاختلاف لدرجة أنك لست مؤهلاً للنجاح.

أول ظهور

أول ظهور دل تورو في السينما، كان عبر فيلم كوميدي سخيف وفي دور صغير جداً هو «بيج توب بي-وي» سنة 1988، ثم هو المجرم في الفيلم الجيمس بوندي «رخصة للقتل».
وظهر مع مادونا في فيلمي فيديو في 1987 و1990، بعد ذلك في التسعينات رأيناه في الأسترالي بيتر وير «بلا خوف» وفي «تشاينا مون» (1994)، وكان دوره لافتاً في «باسكوات» لجوليان شنابل (1996)، وفي العام 2000 لفت الانتباه أكثر في فيلم ستيفن سودربيرج «ترافيك» وكان رائعاً في «العهد» .

تشي جيفارا

أدواربنثيو دل تورو، لم تتوقف، فوجد نفسه في «21 غرام» لأليخاندرو إيناريتو (2003) وفي «سيساريو» لدنيس فلينييف (2015)، وبينهما 23 فيلما آخراً وجسد دور تشي جيفارا في فيلم آخر لسودربيرج (2008). وفي السنوات الأخيرة ظهر في الفيلم البوليسي الذي تدور أحداثه على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك «سيكاريو» ثم في جزء ثان منه بعنوان: «سيكاريو: يوم الجندي»، وبينهما لعب في فيلمين أحدهما الجزء الأخير، حتى الآن، من «ستار وورز».

لاعب سلة

وُلد بنثيودل في التاسع عشر من فبراير /شباط، بمدينة سان جيرمان في بويرتو ريكو ابناً لمحاميين التقيا في قاعة المحكمة ووقعا في الحب. عندما ماتت والدته، وكان لا يزال شاباً مراهقاً، انتقل الأب، واسمه بالكامل جوستافو أدولفو دل تورو برموديز، إلى الولايات المتحدة مهاجراً. أول ما اعتنقه بنثيو من مهارات كان لعب كرة السلة (وكان لاعباً ماهراً). التمثيل جاء ثانياً ثم كبر ليحتل المقام الأول سريعاً. أخذ دروساً عند ستيلا أدلر في لوس أنجلوس وأكمل في نيويورك وأمّ، ممثلاً، بعض حلقات «ميامي فايس» التلفزيونية في منتصف الثمانينات.

شاهد أيضاً