الحمى.. مرض مرحلة الطفولة

يتعرض كثير من الأطفال في مختلف الأعمار للإصابة بارتفاع درجات الحرارة، وهذه الظاهرة من المشاكل الطبيعية التي تحدث في هذا العمر؛ لأن جهاز المناعة لدى هؤلاء الأطفال في حالة استعداد دائمة لمواجهة كثير من الأمراض والمشاكل الصحية.
نتيجة مقاومة جهاز المناعة للجراثيم والميكروبات والبكتيريا التي تهاجم جسم الصغير، فإن حرارة الجسم ترتفع كدليل على عمل هذا الجهاز وتصدّيه للأجسام الغريبة. والمهم في هذه المشكلة أن تتابع الأم باستمرار درجة حرارة الصغير، ولا تتهاون مع ارتفاع درجة الحرارة وتظن أنها حالة بسيطة وطارئة وستنتهي؛ لأن هناك خطورة كبيرة على الطفل عند ارتفاع درجات حرارة جسمه لفترة، وليس شرطاً أن تكون هذه الفترة طويلة، فيمكن لدرجات الحرارة أن تتسبب ضرراً بالغاً لبعض خلايا المخ، خاصة أن دماغ الصغير مازال ضعيفاً وفي طور التكوين، ويتأثر بأقل الأشياء. وغالباً ما تسبب درجة الحرارة المرتفعة بعض المضاعفات إذا لم تتدارك الأم هذه المشكلة، وتسارع في العمل لتبريد رأس الصغير بشتى الطرق. ولابد أن تتعلم الأم بعض الأساليب الطبية البسيطة في حالة تعرض طفلها للإصابة بالحمى خلال ساعات الليل المتأخرة. وسوف نتناول في هذا الموضوع النصائح والإرشادات التي يجب أن تتبعها الأم في حالة إصابة طفلها بارتفاع درجة الحرارة، وأيضاً الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة.
الهدوء والتصرف المناسب
تنقسم الأمهات إلى قسمين في حالة إصابة الطفل بارتفاع درجة الحرارة، القسم الأول لا يهتم على اعتبار أنها حالة معتادة يصاب بها كل الأطفال، وسرعان ما يعود الطفل إلى حرارته الطبيعية. والقسم الثاني من الأمهات تنتابه حالة هلع وقلق، عندما تجس الأم جبهة طفلها وتكتشف أن درجة حرارته مرتفعة، وتدخل في حالة حيرة ودوّامة من التفكير السريع، حول كيفية التصرف مع طفلها، وهل هي حالة خطيرة تستحق الذهاب إلى الطبيب؟ أم ثمة أشياء يمكن فعلها لتخفيض درجة حرارة صغيرها قبل أن تذهب إلى الطبيب المختص؟
ويقدم الأطباء بعض النصائح للأمهات عموماً، منها أنه لا داعي للقلق الزائد حتى يتم التعامل مع حالة الطفل بهدوء وتصرف مناسب. وغالباً ما تعود حرارة الطفل للوضع الطبيعي إذا تناول الدواء المناسب للسخونة، وهناك كثير من الطرق يمكن بها التعامل مع الطفل في هذه الحالة، قبل الذهاب إلى الطبيب. وعموماً فإن ارتفاع درجات حرارة الأطفال من الأعراض التي تستحق التعامل معها باهتمام، فهي يمكن أن تكون دليلاً على الإصابة ببعض الأمراض، أو أن جسم الطفل في حالة مقاومة شديدة لمهاجمة البكتيريا والفيروسات، التي تسبب العدوى، وهناك حالات من ارتفاع درجات الحرارة غير مقلقة؛ لأنها سرعان ما تزول بعد فترة قصيرة من تناول خافض الحرارة.
معركة جهاز المناعة
يحدث ارتفاع درجة حرارة الطفل نتيجة قيام جهاز المناعة لدى الصغير بمهامه في مهاجمة العناصر الدخيلة على الجسم، وأثناء ذلك تدور معركة بين الأجسام الدخيلة وكرات الدم البيضاء، ترتفع على إثرها درجة الحرارة، ثم ينتهي جهاز المناعة من القضاء على هذه الميكروبات والجراثيم، ويعود الجسم إلى الهدوء ويستعيد درجة حرارته الطبيعية.
ولذلك يعتبر البعض ارتفاع درجات الحرارة دليلاً جيداً على مقاومة الأطفال للمرض والعدوى، وتأهب جهاز المناعة بشكل كبير للتعامل مع أي دخيل بسرعة. أما الخطورة فتكمن في استمرار ارتفاع درجات حرارة الطفل لفترة طويلة، على الرغم من تناول الأدوية الخافضة واللازمة لتخفيض هذه الحرارة، أو في حالة عودة ارتفاع الحرارة بعد انتهاء مفعول خافض الحرارة، والخطورة أيضاً تكمن في الارتفاعات العالية لدرجات الحرارة، والسخونة الشديدة التي تصيب الأطفال، ويمكن أن تؤثر على القدرات الدماغية للطفل، إذا لم يتم التعامل معها قبل فوات الأوان، وأبسط المضاعفات هي الإصابة بحالة الجفاف، وعند زيادة تفاقم الوضع يمكن أن تتسبب درجات الحرارة في تلف جزء من خلايا المخ.
أدوية خافضة وكمادات
يمكن القيام ببعض الإجراءات السريعة للتعامل مع الطفل في حالة ارتفاع درجة حرارته، ومنها البحث عن دواء خافض للحرارة يكون مناسباً لعمر الطفل. فعلى سبيل المثال الأدوية التي تحتوي على مادة الباراسيتامول، مناسبة لعمر الطفل الأكثر من شهرين، وعلى الأم أن تتعلم وتختار ما يناسب طفلها؛ لأن أدوية خفض الحرارة كثيرة، ويمكنها في هذه الحالة أن تستشير الصيدلي عن الجرعات المناسبة.
ومن الأخطاء الشائعة استعجال الأم على شفاء طفلها، فتعطيه نوعين من الدواء في وقت واحد، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تعارض بعض المركبات المكونة لهذه الأدوية مع بعضها بعضاً، فتفقدها تأثيرها وفاعليتها في إتمام الشفاء الطفل من ارتفاع درجة الحرارة، وهناك طرق أخرى يمكن اتّباعها لتخفيض درجات حرارة الصغير، منها عمل كمادات المياه الباردة باستخدام فوط مبللة، يتم وضعها على جبهة الطفل أو الفخذين أو البطن؛ لأن هذه المناطق تعجّل انخفاض درجات الحرارة.
وهناك أيضاً الكمادات الجاهزة بمواد طبية لها القدرة على امتصاص درجات الحرارة من جسم الطفل، وهذه الكمادات تباع في الصيدليات ومخصصة لذلك الغرض. وأيضاً يمكن وضع بعض الملابس المبللة على جسم الطفل، وتعريضه لتيار خفيف من الهواء، ويمكن تشغيل المكيف على درجات حرارة منخفضة، ومتابعة الأم لطفلها ضرورية حتى لا يتعرض للبرد، فعندما تشعر أن حرارته انخفضت ووصلت إلى المعدل الطبيعي، عليها أن تتوقف عن أساليب التبريد؛ لأن الطفل غير قادر على تحمّل البرودة الزائدة أيضاً.
تفاصيل الأعراض
تقوم الأم بقياس درجة حرارة الطفل باستمرار، وفي حالة ارتفاعها عن المعدل الطبيعي وهو 38 درجة مئوية، يعني ذلك أنه محموم وعلى الأم عمل الخطوات السابقة، وتجلس الأم إلى جانب طفلها كي يشعر بالطمأنينة والحنان، فهذا الشعور يقوّي المناعة لدى الطفل، ويجعله يقاوم المرض أكثر، وتلتف الأم إلى أي أعراض أخرى تظهر إلى جانب الحمى، لتسهل على الطبيب مهمة التشخيص الدقيق، فهو نصف العلاج الصحيح.
وتقدم الأم السوائل الدافئة للصغير مثل شوربة الدجاج مع عصير الليمون، وتُكثر له من شرب الماء وعصائر الفاكهة الطبيعية، وتهيّئ له جواً معتدلاً مع فصله عن بقية أفراد الأسرة في المنزل، لعدم انتقال العدوى إليهم، وإذا استمرت زيادة درجة الحرارة على 38 درجة، من 24 إلى 48 ساعة دون انخفاض، فعلى الأم الذهاب فوراً لأقرب طبيب ليتخذ اللازم.
ومن الأخطاء التي تقع فيه بعض الأمهات، استخدام المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب، مما يعرض الطفل للإصابة بأمراض أخرى، ويضر ببعض أجهزة جسمه الصغير. وكل ما يمكن عمله من جانب الأم، هو استخدام خافض الحرارة المتفق عليه مع الطبيب المختص، مع مراجعة تاريخ صلاحية العلاج الموجود في المنزل، وفي حالة استمرار الحرارة بعد تناول الخافض، لابد من الذهاب إلى الطبيب لمعرفة السبب.
تلف المخ والهذيان
وتمكن الإصابة ببعض المضاعفات الخطيرة في حالة استمرت درجات الحرارة في الارتفاع، وفي حالة زيادة درجة الحرارة على 40 درجة مئوية، فإن الطفل يتعرض إلى تلف في بعض خلايا المخ، إذا لم تتم معالجة هذا الارتفاع بسرعة شديدة. وفي معظم الحالات تكون هذه الدرجة المرتفعة ناتجة عن الإصابة بضربة شمس حادة، أو تصيب الطفل الذي يجلس داخل سيارة غير مكيفة في مكان ساخن لفترة طويلة، في أيام الحر الشديد خلال فصل الصيف.
ويصاب الطفل بحالة من الهذيان والتخريف إذا ارتفعت درجة حرارته عن 39 درجة مئوية، ومعرفة السبب الحقيقي لارتفاع درجة حرارة الطفل، يتم عن طريق التشخيص بالكشف الطبي للدكتور المختص، مع توجيه بعض الأسئلة للأم لمعرفة بعض الأعراض المصاحبة للحمى، حتى يمكنه اختيار الأدوية المناسبة للطفل، ويحدد الطبيب مدى استمرار هذه الأدوية لفترة زمنية معينة، مع اختيار أنواع من المضادات الحيوية إذا كان الأمر يتطلب ذلك.
ومن الأعراض التي تظهر لدى الطفل، رفضه لتناول الطعام، واحتقان شديد في الحلق، وإصابة بصداع شديد. وتُصاب بعض الحالات بإسهال مستمر، ويظهر لديها طفح جلدي، كما أنه من الأعراض أيضاً حالة إعياء شديد وآلام في الأذن وحدوث تصلّب في الرقبة.

استشارة فورية

تؤكد الدراسات على أن مشكلة ارتفاع درجة حرارة الجسم تصيب كل الأطفال تقريبا، ويجب الذهاب إلى الطبيب المختص في حالة زيادة درجة الحرارة على 38.5 درجة مئوية لدى الأطفال الأكبر من 3 أشهر وحتى 6 أشهر، وكذلك زيارة المشفى في حالة استمرار ارتفاع درجات الحرارة أكثر من 24 ساعة وعمر الطفل أقل من سنتين، وإذا أصيب الطفل الأكبر من 6 أشهر بارتفاع في درجات الحرارة عن 39.6 درجة مئوية يجب زيارة الطبيب المختص فورا، دون انتظار أي أعراض أخرى أو مضاعفات مثل الإسهال أو القيء، أو غيرها من الأعراض التي غالبا ما تصاحب ارتفاع درجة الحرارة، فمن المعروف علميا أن درجة حرارة جسم الطفل الطبيعية تكون 37 درجة مئوية، وتزيد بصورة طفيفة إلى 37.4 درجة مئوية أثناء وقت الظهيرة وارتفاع حرارة الجو وأشعة الشمس، وتنخفض بصورة قليلة أثناء النوم ليلا حتى الصباح، نتيجة انخفاض درجة حرارة الجو وهدوء الجسم وعدم خروج طاقه منه أثناء النوم، وتتعرض خلايا مخ الطفل الصغير للتلف إذا ارتفعت درجة حرارة الجسم عن 40 درجة مئوية.

شاهد أيضاً