الجاحظ شاعراً

علاء الدين محمود

كثيرون لا يعلمون عن الأديب عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الشهير بالجاحظ، «159 ه-255 ه»، أنه كان شاعراً وناقداً. فبراعته في السجع والنثر كأسلوبية كتابية برزت في زمانه؛ أي في العصر العباسي الثاني، حين ظهرت طبقة من الكتاب الذين وضعوا أسساً جديدة للكتابة الإبداعية كان على رأسهم الجاحظ، وهو أسلوب في الإنشاء يأخذ من النظم شاعريته دون قافية أو وزن، وينسب كثيرون هذا الأسلوب إلى الجاحظ نفسه، وقلده فيه مجموعة من الكتاب كابن قتيبة والمبرد وابن ثوابة وغيرهم، وكانوا يكتبون بأساليبٍ بلاغيةٍ وفنون تأثيرية وإقناعية ممتعة للقراء.
ولكن القليل من النقاد والأدباء من اهتم بشعر الجاحظ، فما لا يعرفه الكثيرون أن الرجل نظم الشعر، واهتم به، وله فيه آراء ونظريات، وكذلك مجادلات نقدية وتقسيم لمقامات الشعراء، بل وله ديوان شعري حمل الكثير من القصائد، وقد حمل الجاحظ في شعره أسلوبية خاصة، حيث أراد لنظمه أن يكون مفهوماً لجميع الناس بمختلف طبقاتهم وفئاتهم الاجتماعية، ومن هنا نستطيع القول إن أسلوبه في النثر والسجع كان مصمماً لكي تفهمه طبقة معينة من الناس، خاصة أنه يريد عبره التعبير عن مواقفه الفكرية والنقدية والفلسفية، ومن قصائده الشهيرة التي احتفى بها الناس تلك التي يقول في بعضها:

يَطيبُ العَيشَ أَن تَلقى حَكيمًا
غَذاهُ العِلمُ وَالظَنُّ المُصيبُ
فَيَكشِفُ عَنكَ حيرَةَ كُلِّ جَهلٍ
فَفَضلُ العِلمِ يَعرِفُهُ الأَديبُ
سَقامَ الحِرصِ لَيسَ لَهُ دَواءٌ
وَداءُ الجَهلِ لَيسَ لَهُ طَبيبُ.

فقد جعل من الشعر أداة للاقتراب من الجماهير، لفهم بعض معاني رسائله التي استودعها مؤلفاته الكبيرة، وقد تناول في نظمه معظم أغراض الشعر من الغزل والمدح والهجاء والحكمة بشكل خاص، وغير ذلك من الأغراض، وقد اهتم بعض النقاد المحدثين بأشعار الجاحظ فعملوا على جمعها، وبرزت بعض الكتب مثل: كتاب «الجاحظ شاعراً»، للباحث تيسير الهواري، والذي جمع 76 قطعة شعرية، و244 بيتاً، وهناك كتاب «شعر الجاحظ»، لمؤلفه سعيد الديوه جي، حيث عمل فيه على تقفي أثر الجاحظ الشعري، ورصد نظمه المثبت في بطون الكتب، وفي رسائل كتبها لأولي الرياسة والحكم، والخلفاء والأمراء وجمعه في دفتي هذا الكتاب، وقد تناول المؤلف مكانة الجاحظ الشعرية وشعره مقارنة مع آثاره الأدبية الأخرى، والكتاب حافل بالقصائد التي تحقق المؤلف من نسبتها للجاحظ..

alaamhud33@gmail.com

Original Article

شاهد أيضاً