الأزمات الاقتصادية.. بطلة أعمال سينمائية

هوليود: محمد رُضا

‫بينما تجابه الولايات المتحدة محاذير حربها الاقتصادية ضد عدد من الدول حول العالم، في حين أن دولاً في المنظومة الروسية- الصينية، بدأت تحاول فرض التعامل التجاري بعملة جديدة على أمل أن تكتسب مناعة وقوّة؛ بحيث تؤثر في الدولار الأمريكي، وتبدد من هيمنته، لا تزال السينما تتطرق إلى المواضيع الاقتصادية الشائكة، التي عصفت بالولايات المتحدة منذ عشر سنوات، وتزيد فوقها بعض الحاصل على هذه الجبهة في السنوات الأقرب.‬
أحدث هذه الأفلام هو «صخب الصين» (The China Hustle) الذي يتناول العلاقة القائمة بين «وول ستريت» والصين؛ حيث يتكاثر الرهان على البورصة الصينية في الشارع الاقتصادي الأمريكي، ويرتفع إلى ما بعد 200 مليار دولار.
ما يجعل الفيلم مهمّاً للباحث؛ هو أنه تسجيلي مستقى من وثائق وحوارات على نحو من يريد النيل من هذا التحالف غير المعلن، الذي يستطيع الأمريكيون الانسحاب منه لولا أنه يضخ على شركاتهم مبالغ طائلة. والفيلم يختتم بالعبارة التالية: «الكذبة الأكبر في وول ستريت هي أن الحاضر يختلف عن الماضي»؛ وذلك في إشارة لأزمة 2008.
تعاملت السينما الأمريكية كثيراً وطويلاً مع مواضيع تعكس الأزمات الاقتصادية الفردية والاجتماعية. الفقر والعوز ظهرا في بعض أفلام دو جريفيث القصيرة الأولى في عام 1908 وما بعد. في فيلم تشارلي شابلن «أزمنة عصرية» (Modern Times) سنة 1936؛ حيث التظاهرات العمالية؛ وهو على رأسها ولو بالصدفة. بعده بعامين فيلم «العشرينيات الهادرة» (The Roaring Twenties) لراوول وولش حول عودة مجند (جيمس كاجني) من الحرب العالمية الأولى؛ ليجد نفسه عاطلاً عن العمل ما يدلف به إلى الانخراط في إحدى العصابات.
«أعناب الغضب» (The Grapes of Wrath) سنة 1940 كان حول شهادتي الروائي جون شتاينبك والمخرج جون فورد عن سنوات اليأس الكبرى، التي ضربت الاقتصاد الأمريكي في العشرينات والثلاثينات، وأثرت في معيشة ملايين الأمريكيين، خصوصاً من المزارعين وأصحاب المهن الصغيرة.
أزمة أحدث، 2008، نتج عنها عدّة أفلام أكثر علاقة بالموضوع الاقتصادي، مما كانت عليه أفلام الأمس. فإثر هذه الكارثة التي يعتقد اقتصاديون بأننا ما زلنا نعاني آثارها على أكثر من نحو قام عدد من المخرجين الروائيين والتسجيليين بطرح سؤالين أشبه بوجهي عملة معدنية: ما الذي حدث؟ وكيف حدث؟
شمل هذا الطرح فيلم مايكل مور «رأسمالية، قصّة حب» (2009) و«عمل داخلي» لتشارلز فرجوسون (2010) وهما فيلمان تسجيليان و«نداء هامشي» Marginal Call لجي س شاندور و«رجال الشركة» The Company Men لجون وَلز (2010) وهما روائيان.
«عمل داخلي» (Inside Job) كشف عن كيف تمّ لكبار رجال أعمال المصارف والمؤسسات الاقتصادية استحواذ مليارات الدولارات من شركاتهم أو من المستثمرين ومشتري البورصة والتسبب في إفلاس الطرفين وإيداع الأموال في حساباتهم الخاصّة.
ذلك يشمل، في الفيلم، الاستثمار العقاري وإغراء الأناس العاديين في الحصول على ديون من المصارف العامّة بحصانة ممتلكاتهم العقارية. هذا لم ينشط السوق العقاري؛ بل وضعه تحت تصرف المصارف، التي عادت فاستولت على العقارات، وعلى الودائع الشخصية؛ محققة أرباحاً تبدو قانونية؛ لكنها في نهاية المطاف هي جزء من عملية نصب كبرى.
فيلم مايكل مور التسجيلي أيضاً «الرأسمالية، قصة حب»، يختلف في نوعه وفي معالجته. إنه نوع من سينما التقرير نرى فيه المخرج ذاته وهو يبحث في ما حدث بنفسه. طبعاً يقدّم معلومات ويطرح ويجيب على أسئلة؛ لكن عليها أن ترد بلسانه وبكاميرته التي تتحول إلى تحقيق صحفي.
بطريقته المعتادة يحاول المخرج إجراء مقابلات مع المسؤولين، ولا يتمكّن إلا في أحيان قليلة، فهم لا يريدون مقابلته، والحرس الأمني لتلك المؤسسات الضخمة ينفّذون التعليمات بإبعاده. فيلمه يفتح الأعين؛ لكنه لا يستطيع فعل أي شيء أكثر من ذلك.
مباشرة بعد ذلك شاهدنا المخرج أوليفر ستون ينفذ إلى الموضوع نفسه؛ عبر فيلمه «وول ستريت: المال لا ينام» سنة 2011.
ستون كان أخرج فيلماً بعنوان «وول ستريت» سنة 1987 وأراد للفيلم الجديد أن ينجز النجاح ذاته. الفيلم السابق دار حول مضار الجشع. مايكل دوجلاس يقف في غرفة الاجتماعات الطويلة، ويقول لمديريه: «الجشع جيد». في «وول ستريت: المال لا ينام» نجد أن دوجلاس خرج من السجن؛ بعد أن قضى فيه سنوات قليلة؛ ليكتشف أنه ما زال يستطيع ممارسة أعماله المشبوهة بصرف النظر عما يسببه ذلك من ضرر على ضحايا أبرياء.
إنها المعالجة ذاتها في فيلم مارتن سكورسيزي «ذئب وول ستريت»؛ حيث يرفض المخرج معاملة شخصيته الاقتصادية المنحرفة (جوردان بلفور كما أدّاها ليوناردو ديكابريو) كشرير؛ بل يمنحه الكثير من الاحتفاء؛ لكي يحفظ له بعض ماء الوجه.
الفيلم الحديث الآخر في هذا الشأن هو «التقصير الكبير» The Big Short للمخرج أدام ماكاي مع ستيف كارل، كرستيان بل ورايان جوزلينج في البطولة.
يستفيد «التقصير الكبير» (عبارة اقتصادية تعني عدم قدرة المديون على دفع تقسيطه) من اختلافه وتناوله شبه الساخر من العالم الذي تدور فيه الأحداث. يتنبأ المضارب مايكل (كرستيان بايل) بزلزال سوق العقارات وحتمية سقوطه فينصح المؤسسة بما يجب عليها القيام به لاستثمار الوضع قبل حدوثه لمصلحتها.

فوضى وآمال كاذبة

«نداء هامشي» و«رجال الشركة» أول فيلمين روائيين تعرّضا لهذا الموضوع الشاسع، الفيلم الأول اتبع تعبيراً منتشراً في عالم البورصة، حين ينخفض سقف التوقّعات من أرصدة قمت بشرائها، فإن المؤسسة المصرفية التي تدير أعمالك قد تطلب منك أن تفتح حساباً جانبياً جديداً تدفع فيه ما يرفع من شأن هذا الحساب لتغطية وتقوية ما يحدث للحساب الأول. و‮سام روجرز (كَڤن سبايسي) مدير مبيعات في واحدة من هذه المؤسسات، وقد أمضى فيها أربع وثلاثون سنة ويتمتّع بثقة رئيس مجلس إدارتها (جيريمي آيرونز) الذي يعقد اجتماعاً طارئاً لكبار الموظّفين (وبعض الصغار منهم أيضاً) للوقوف على حجم الأزمة الناتجة عن اكتشاف أن موجودات الشركة بالغ في تقديرها، بحيث إنه إذا ما انتشر الخبر تهاوت وفقدت مصداقيّتها. طريقة الخروج من الأزمة هو بيع العقارات والأسهم والممتلكات بأسرع وقت ممكن.
ويستلهم فيلم «رجال الشركة» الموضوع ذاته وبالقدر نفسه من الإجادة والجديّة. مؤسسة اقتصادية تقسم موظفيها بين من ينجو من الأزمة وبين من يسقط تحت براثنها.
القاسم المشترك بين هذين الفيلمين واضح «نقد ما آلت إليه الآلة الاقتصادية وسط فوضى الممارسات التلاعبية»، ويشتركان أيضاً في قوّة الطرح والتزام كل مخرج بعمل بعيد عن تنميط الأمور أو الخروج بآمال كاذبة منها.

وحش المال

عاد فيلم «وحش المال» Money Monster الذي أخرجته قبل ثلاثة أعوام جودي فوستر من بطولة جورج كلوني الذي يؤدي دور مقدم برنامج اقتصادي كان أوعز في إحدى حلقات برنامجه إلى مشاهديه شراء حصص في إحدى الشركات من دون أن يفحص قدراتها ووضعها الاقتصادي ما تسبب عنه ضياع 800 مليون دولار من أموال الذين صدّقوا دعوته وسارعوا لشراء الأسهم. أحدهم جاك (جاك أو كونل) المزارع الذي أودع في هذا الاستثمار كل مدخراته (نحو 60 ألف دولار) فتبخرت. نراه يتسلل إلى الاستوديو ويحتجز جايتس مطالباً إياه، من بين مطالب أخرى، الجواب على سؤال حاسم: «كيف يمكن ل 800 مليون دولار (مجموع ما دفعه المستثمرون الذين استجابوا لندائه) أن تتبخر في يوم واحد؟».

شاهد أيضاً