«الأرامل».. يكشف أقنعة السياسة وآفات «العنصرية»

مارلين سلوم

نهايته غير متوقعة، كأنها تعيدك إلى نقطة الصفر في العشر دقائق الأخيرة، لتسترجع شريط الأحداث بذهنك سريعاً منذ المشهد الأول للعمل. «الأرامل»، فيلم ممتع جداً، ناجح ولا يخلو من بعض الملاحظات كأي عمل سينمائي، يضاف إلى رصيد المخرج البريطاني ستيف ماكوين، الذي ارتبط اسمه في ذهن الجمهور بفيلم «12 عاماً من العبودية» الحاصل على 3 جوائز أوسكار عام 2013.
كيف تصنف الفيلم؟ في التصنيف الرسمي هو فيلم جريمة وسرقة ودراما، أما فعلياً، وبعد مشاهدتك ل «الأرامل»، تدرك أن ستيف ماكوين، مشغول بقضية التمييز العنصري، ويجد لها أبواباً يطل من خلالها بأعمال جديدة على الشاشة، حاملاً رسالته الرافضة للعنصرية والتمييز الذي ما زال قائماً (وإن مبطناً أحياناً) في أمريكا بين «الأبيض والأسود»، يضيف إليها قضية التسلح فيظهر الخلل الأمني في المجتمع، ومؤامرات وصفقات السياسيين التي تجري أثناء الإعداد للحملات الانتخابية.. «الأرامل» أخذه ماكوين عن قصة ليندا لا بلانت، أعاد كتابته سينمائياً بالتعاون مع جيليان فلين، وقد سبق أن تم تحويله إلى مسلسل بريطاني عرض عام 1983. لمسات ماكوين في الكتابة والإخراج «خاصة» وواضحة.
مجموعة نساء تقدن العمل، الفيلم يضم أسماء نجوم كثر، لكن المرأة هي المحرك ومركز القوة فيه، وتحديداً فايولا دايفيس الرائعة التي لا تكف عن إبهارنا بأدائها الصادق، هي كتلة مشاعر تتحرك أمامك، في ضعفها وقوتها، في غضبها وثورتها وذكائها وصلابتها.. بجانبها تقف ميشال رودريغز، سينتيا إريفو التي لا تتوانى هي الأخرى عن سرقة الكاميرا عند إطلالتها، ورغم ظهورها المتأخر نوعاً ما، إلا أنها لعبت دوراً بطولياً مميزاً. ومعهن إليزابيث ديبيكي الشقراء الحسناء التي انتقلت وأدت دوراً مهماً أيضاً في تجسيد المرأة المهزومة الضعيفة المقهورة من زوجها في البداية، الفاقدة للثقة بنفسها وبأهمية وجودها في الحياة، إلى امرأة جريئة تعرف ما تريد وتسلك طريقها بنفسها.
أين الرجل في الفيلم؟ يمكن القول إنه «في الظل»، فالبطل الرئيسي ليام نيسون هو هاري رولينغز المتزوج من فيرونيكا (فايولا دايفيس) «السمراء»، يفتتح بهما المخرج فيلمه، بمشهد يظهر مدى الحب بين الزوجين. ومشهد آخر نرى فيه ليندا (ميشال رودريغز) وزوجها وطفلاهما في متجرها، ويبدو الصراع واضحاً بينهما حول تبديد الزوج الأموال، بينما المرأة تعمل وتتعب. ثم أليس (إليزابيث ديبيكي) الجميلة المعنّفة من زوجها. مقتطفات تعرفنا بكل أسرة هي المدخل الرئيسي لنفهم مسار الأحداث، تتقاطع مع مشاهد لعصابة مكونة من أزواج تلك النسوة، يسرقون أموالاً وتطاردهم الشرطة إلى أن يلجؤون إلى مخبئهم ويبدلون سيارتهم، وعند محاولة الخروج، تكون الشرطة بانتظارهم في كمين محكم، يُقتلون جميعاً وتنفجر بهم الحافلة الصغيرة.
مأساة النسوة، ليست في وفاة أزواجهم، بل في الدين الذي تركوه، حيث يبدأ المرشح للانتخابات جمال مانينغ (براين هنري)، ملاحقة فيرونيكا، لاسترجاع مليوني دولار سرقها منه هاري وعصابته. المرأة لا تعرف شيئاً عن عمل زوجها السري هذا، وأنه لص محترف، ولا تعرف أي من الزوجات شيئاً عن السرقة، وهن غريبات عن بعضهن البعض. بفضل سائقها «باش»، تبدأ فيرونيكا الإمساك بالخيوط، وتصل إلى مذكرات تركها هاري لها، ومعها خرائط لعملية سرقة لم تتم بعد. تقرر الالتقاء بأليس وليندا، لتنفيذ العملية، وعليهن خلال وقت قصير شراء السلاح والتجهيزات اللازمة والتدرب على القتال، وبدا الأمر مستحيلاً لأن «الأرامل» بعيدات عن هذه الأجواء تماماً. المرأة تحمل أعباء ذنوب الرجال في الفيلم، ولا نتطرق إلى التفاصيل كي لا نحرق العمل. 130 دقيقة من التشويق الذي لم يعتمد فيه ستيف ماكوين على الإثارة البوليسية، بل على المضمون والقضية الإنسانية أولاً، وجعل السرقة مجرد هامش ووسيلة لكشف الأقنعة. في سياق الفيلم نكتشف أن فيرونيكا وهاري، فقدا ابنهما الشاب ماركوس، بسبب عنصرية أحد رجال الشرطة الذي أطلق عليه النار بلا سبب مباشر. وهي لفتة أخرى يريد من خلالها المخرج تأكيد لاستمرار التمييز العرقي في أمريكا، كما تستوقفنا عبارة على لسان فيرونيكا، ترد فيها على أليس عند سؤالها «من أين أشتري 3 مسدسات؟» قائلة: «أنت في أمريكا». ويذهب أبعد من ذلك، حيث نرى أليس في معرض أو سوق للسلاح، تطلب من سيدة ومعها طفلتها الصغيرة باختيار الأسلحة لها، ويبدو المشهد وكأن النسوة والرجال يشترون الخضراوات أو الملابس من سوق شعبي.
«الأرامل» جميل بمعانيه والصورة تلعب دوراً مهماً أيضاً، مثل تعمّد ماكوين تسليط الكاميرا على عين واحدة من عيني فيرونيكا، بلا أي كلام وبلا حاجة لأي مؤثرات أو ديكور. عرض في مهرجان «تورنتو السينمائي» مؤخراً، ويستحق الجوائز، لاسيما فايولا دايفيس الفائزة بالأوسكار 2017 عن «الأسوار». روبرت دوفال وكولن فاريل يجسدان الأب طوم موليغن حاكم ولاية شيكاغو وابنه جاك الذي يستعد لتسلم الولاية من أبيه بحكم الوراثة من جيل إلى جيل، ويخوض الانتخابات بشراسة. حوار الأب وابنه يكشف زيف السياسيين، والعملية الانتخابية وزيف الشعارات. الإنتاج لشركة «توانتيث سانتشري» والتكلفة الإنتاجية 42 مليون دولار.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً