«أثرياء آسيويون مجانين».. رؤية سينمائية للصراع الصيني الأمريكي

مارلين سلوم

«دع الصين تنَم، لأنها عندما تستيقظ ستهز العالم»، بهذه المقولة لنابليون بونابرت يبدأ فيلم «أثرياء آسيويون مجانين» أحداثه، ليلفتك منذ البداية إلى اكتساح الصين الهائل لكثير من الأسواق، والمدن، والجزر، والسلطة التي يتمتع بها أثرياؤها. فيلم يفاجئك بجرأته في كشف عيوب هؤلاء الأثرياء، ما جعل الصين تتمهل كثيراً، ولأشهر عدة، قبل الموافقة على عرضه في موطنه الأصلي نهاية الشهر المقبل، لتكون آخر من يستقبله في الصالات، بينما تعرضه بريطانيا نهاية هذا الأسبوع.
إنه فيلم هوليوودي الصنع والروح، و«الرسائل المبطنة». الإنتاج لشركة «وارنر بروس»، وحقق عائدات عالية فاقت 230 مليون دولار، بينما تكلفته لم تتجاوز 30 مليوناً، ما عدا الصين وبريطانيا، حيث يتوقع أن ترتفع العائدات بشكل كبير. لماذا استطاع هذا الفيلم البسيط أن يصبح حديث الجمهور، ويلفت الأنظار إلى الصناعة الآسيوية، أو الصينية تحديداً في الفن السابع؟
تفهم سر النجاح بداية من أن الفيلم مأخوذ عن رواية نالت شهرة واسعة عند إصدارها بالاسم نفسه عام 2013 للمؤلف كيفين كوان، وألحقها بروايتين «صديقة الصين الثرية» عام 2015، و«مشاكل الأغنياء» عام 2017 التي حققت بدورها قفزة واعتبرت من الروايات الأكثر مبيعاً ما جعلها ضمن قائمة «نيويورك تايمز بستريدر».
من أسباب نجاح الفيلم أيضاً، أنه ينتمي إلى التركيبة التي ما زال الجمهور يحبها، ويقبل عليها بشدة، سواء في الصالات، أو في الروايات، وهي الرومانسية الكوميدية المحببة. و«أثرياء آسيويون مجانين» يميل أكثر إلى الأساطير الطفولية، حيث الأمير المتخفي خلف قناع الشاب البسيط، كي يجد الفتاة التي تحبه لشخصه، لا لأمواله، وشهرته، والفتاة الفقيرة الذكية التي تقع في حبه، ثم تكتشف أن الفوارق الاجتماعية تحول دون تحقيق حلمها بالزواج.
بيتر كريالي وأديل ليم نجحا في كتابة السيناريو، ومنحا الرواية فرصة النجاح سينمائياً، وشاركهما بالدرجة الأولى في تقديم الصورة الجميلة والمتقنة التي تجمع بين السحر، والثراء، والأجواء الأسطورية، مع البساطة في آن، المخرج جون إم شو. أما البطولة فهي للممثلة الصينية المولودة في أمريكا كونستانس يو، وقد جاءت في مكانها المناسب في الفيلم، حيث تجسد دور رايتشل شو الصينية الأصل التي ولدت في نيويورك، ونشأت هناك مع والدتها. يشاركها البطولة هنري جولدينج في أول بطولة سينمائية له، ولعب دور نيك يونج ابن العائلة الثرية الذي يعيش في نيويورك، حيث التقى برايتشل، ويدعوها لمرافقته إلى حفل زفاف أعز أصدقائه في سنغافورة، ولتكون مناسبة أيضاً ليعرف العائلة إلى رايتشل. توافق، ومنذ انطلاق الرحلة في المطار، تبدأ باكتشاف حقيقة حبيبها لتصاب بذهول في سنغافورة حين تعلم أنه وريث عائلة يونج التي تملك جزراً، وتنعم بثراء فاحش. لماذا مهم التركيز على نشأة الفتاة في أمريكا؟ لأنها ستكون النقطة الأساسية التي تعتمد عليها الأم لرفض هذا الزواج، باعتبار أن الفتاة ليست مثلهم «صينية حقيقية»، فهي تشرّبت الفكر الغربي، ولا شك تأثرت بالأمريكيين، سواء بطريقة تفكيرها، أو بتربيتها وأخلاقها.
قوة الصين وقدرة شعبها على اقتحام العالم الغربي بكل ثقة وقوة، وبشكل يفاجئ الجميع، يشير إليه المؤلف بوضوح منذ بداية الفيلم التي أعادنا بها إلى لندن العام 1995، حيث تصل السيدة إلينور يونج مع ابنها وابنتها الصغيرين والمربية، إلى فندق «كولتوم هيبر» الضخم في الحي الصيني في لندن، فيفاجأ موظف الاستقبال ومدير الفندق بأنها أسرة المالك الجديد للفندق، وقد باعه لهم سراً ومن دون أي مقدمات صاحبه اللورد البريطاني. مشهد واحد جعله المخرج كمقدمة قصيرة وكافية، قبل الانتقال إلى نيويورك 2018، لنبدأ بالتعرف إلى رايتشل أستاذة الاقتصاد والناجحة في عملها، ونيك الذي يطلب منها مرافقته إلى سنغافورة.
المشهد اللافت والظريف في آن، هو لقاء نيك ورايتشل في أحد مقاهي نيويورك، حيث يصادف وجود «ريجا» إحدى الصينيات وصديقاتها اللاتي يعرفن من هو نيك، فتلتقط صورة له مع حبيبته، وترسلها إلى كل معارفها في سنغافورة، وأولهم أمه عبر الواتساب. مشهد رائع قدمه المخرج بطريقة ذكية تظهر مدى سرعة انتشار النميمة، والشائعات، وكيف تلف العالم من غربه إلى أقصى شرقه في دقائق، حتى قبل أن ينهي الشاب حديثه، وطبق الحلوى الذي يتقاسمه مع رايتشل. يفاجأ باتصال من والدته تسأله فيه إذا كان سيحضر معه «صديقته» إلى سنغافورة.
الكاتب كيفن كوان ركز كثيراً على الثراء الفاحش، وحياة البذخ التي تعيشها هذه الطبقة في بلاده، وانحاز بوضوح إلى الفكر الغربي الأكثر بساطة وعملية في حياتهم اليومية. ومثله حرص بيتر كريالي وأديل ليم على المقارنة بين أثرياء الصين، والعائلات المالكة، سواء في بريطانيا، أو غيرها من الدول الغربية، في أكثر من مشهد وحوار، خصوصاً حين تفاجأ رايتشل بانتماء نيك لهذه «الإمبراطورية»، فتقول له: «كان عليك أن تخبرني أنك الأمير ويليام في آسيا»، فأجابها ساخراً: «هذا سخيف، لأنني أشبه أكثر الأمير هاري».
ومثل حكايات الأطفال الخيالية، تتعرض البطلة للكثير من المضايقات من قبل الأم، وسائر المعجبات بالشاب الوسيم والثري، لكنها تتسلح بثقتها بنفسها، وتتحدى الجميع. ومثلما هو الواقع الذي لا نعرفه عن التمييز الطبقي والتمييز في «الأعراق» والأصول، يضيء الفيلم جوانب لم نرها من قبل في السينما الصينية، عن التمييز بين الآسيويين الذين يولدون ويترعرعون في دولهم، والآسيويين- الأمريكيين. فيلم ممتع، ومضحك، وحالم، وواقعي في آن واحد، حيث تجاوز «مليارديرات الصين» الأثرياء الأمريكيين بالعدد وحجم الثروة.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً