أتوم إيجويان: قراراتي الفنية تخصني وحدي

محمد رُضا

كما يعلم كثيرون، وُلد أتوم إيجويان (في سنة 1960) في القاهرة (وليس في الإسكندرية كما قال بعضنا) من أبوين أرمنيين. اسم أمه شوشان واسم الأب جوزف إيجويان حملا حبهما للرسم وغادرا مصر إلى غربي كندا يرافقهما ابنهما وكان عمره عامين.
كان يرسم وهو فتى صغير ولفترة مال إلى التفكير بأنه يريد أن يصبح رساماً عالمياً، لكن ما أن أصبح في النصف الثاني من العقد الثاني من العمر حتى أخذ يكتب المسرحيات على أساس أن يتحوّل إلى مخرج مسرحي. بعد سنوات قليلة أخرى صنع فيلم هواة والفيلم جعله يفكر جدياً بالتحول إلى الكتابة والإخراج السينمائيين وهو ما قام به.
حقق خمسة أفلام قصيرة قبل أن ينجز فيلمه الروائي الأول سنة 1984 بعنوان «القريب». ثم أمضى السنوات اللاحقة وهو يحقق أفلاماً تكشف عن موهبته لكنها لا توزع عالمياً. تبدّلت الحال في 1991 عندما أخرج «المُوازن» وكان أول فيلم يختطف جمهوراً عالمياً بالنسبة إليه. من أفلامه اللاحقة بالنجاح ذاته: «إكزوتيكا» (1995) و«الأبدية اللذيذة» (1997) ولاحقاً «أرارات» (2002) وفيما بعد «انعتاق» (2008) و«كليو» (2009) و«تذكر» (2015).
رجل هادئ الطباع. مبتسم في معظم الأحيان وملاحظ. تجالسه فإذا هو قادر على أن تلتقط عيناه كل شاردة وواردة خلال استماعه للسؤال أو خلال إجابته عليه.

تعود بعد فترة غياب ملحوظة إلى العمل بفيلم عنوانه «ضيف شرف». عما تدور أحداثه ؟

– لم ينته العمل عليه بعد. ما زال في أسبوع التصوير الأول لذلك لا أريد الحديث عنه، لكن أقول لك إنه لا يختلف عن أفلامي السابقة من حيث أنه لغزي في شخصياته وأحداثه.

عادة ما تغيب بضع سنوات ما بين العمل والآخر وعندما تغيب عن الإخراج تمارس أعمالاً أخرى تبقيك في العمل السينمائي، لكن هذه المرّة لا شيء. لماذا؟

– صحيح ما تقول لكن السبب يتعلق باختياراتي. عندما أنجز أحد أفلامي أختار أن أبقى على مقربة من عمليات الإنتاج لبعض الزملاء الذين قد يرغبون مني في ذلك. وأختار أيضاً إنجاز أفلام قصيرة من زاوية عدم التوقف تماماً عن العمل لنفسي. في المقابل اخترت هنا، أي بعد «تذكر» أن ابتعد كلياً عن العمل وأخذت وقتاً لأبتعد فيه عن مشاغل السينما بأسرها. لم يكن في بالي سوى أن أنعزل قليلاً وأفكر وأقرأ كثيراً قبل أن أعود من جديد.

هل كان قرارك له علاقة بالاستقبال الفاتر لفيلمك الأخير «تذكر»؟

– نعم ولا. نعم لأن هذا الاستقبال فاجأني. لم أكن أتوقع من بعض النقاد أن يمروا على الفيلم مروراً سريعاً، لكن ربما نحن نعيش مثل هذا العصر. حتى ولو كان أورسن ولز حياً اليوم أو ألفرد هيتشكوك أو فديريكو فيلليني لكان فيلم من إخراج أي من هؤلاء مهدداً بأن يمر من دون ضجيج حقيقي. بالنسبة للجمهور هناك قسم كبير أعتقد أنه شاهد مثل هذا الموضوع في أفلام أخرى فأعرض. لكن في كل الحالات أنا سعيد به ولا أعتبره أقل جودة من أفلامي الأخرى. سألتني إذا كان هو السبب؟ هو أحد الأسباب.

كل من «تذكر» و«أرارات» يتعامل وهولوكوست مختلف. الأول لما حدث لليهود والثاني لما حدث للأرمن. هل هو تشابه مقصود؟

– إلى أن قررت إخراج «تذكر» لم يكن صنع فيلم عن الهولوكوست في بالي. لذلك لم يكن التشابه موجوداً لأن المشروع لم يكن وارداً. لا تنسى أن «أرارات» كان من كتابتي لكن «تذكر» لم يكن. لكن نعم هناك هذا التشابه في العنوان العريض وليس في الموضوع بحد ذاته.

لم يشترك الفيلم في مسابقة مهرجان «كان» بل عرض خارج المسابقة. وهناك أقاويل كثيرة في هذا الشأن من بينها أن تركيا ضغطت على المهرجان لكي لا يعرض الفيلم أساساً فاختار المهرجان سحبه من المسابقة وعرضه خارجها. هل هذا ما حدث فعلاً؟
هذا غير صحيح. لم يتعرض المهرجان لأي ضغط من أي كان بخصوص هذا الفيلم. ما حدث هو أنني فكرت في أن موضوع الفيلم للعثمانيين أو الأتراك في ذلك الزمن بارتكاب المجازر التي تعرض لها الأرمن سيكون بالطبع موضوعاً ثقيل الوطأة على بلد ينفي عن نفسه هذه التهمة وربما قاد لوضع لجنة التحكيم أمام معضلة كبيرة كذلك المهرجان. لهذا السبب قررت سحبه من المسابقة. هذا ما حدث.

قبل ذلك بأعوام كنت في لجنة تحكيم مهرجان «كان». أعتقد سنة 1995 أو سنة 1996. كيف رأيت عمل لجنة التحكيم في مهرجان بحجم «كان»؟

– 1996 تحديداً. كنت أعلم أن المهمة صعبة لأن مشاهدة الفيلم أمر مختلف تماماً عن الحكم عليه في لجنة رسمية. لكنها كانت تجربة رائعة. تلك السنة شهدت أفلاماً رائعة مثل «كسر الموج» للارس فون تراير و«فارغو» للأخوين كوون و«أسرار وأكاذيب» لمايك لي. لذلك كنا في لجنة التحكيم مذهولين بتلك الأفلام.

رئيس لجنة التحكيم حينها كان فرنسيس فورد كوبولا. هل توافقتما في اختياراتكما؟

– في الحقيقة كانت هناك اختلافات في وجهات النظر مضى وقت طويل عليها ولا داعي للخوض فيها. لكنني خرجت من تلك اللجنة أكثر دراية بالفارق بين المفهوم الهوليوودي وغيره وبإصراري على أن ألتحق بالمفهوم الثاني.

أفهم أن «أرارات» له علاقة عضوية بك كونك أرمني وما قام به الأتراك حينها كان فظيعاً. لكن ماذا عن «تذكر» الذي يروي حكاية انتقام يهودية من نازي سابق؟ أين مكمن الاهتمام هنا؟

– الاهتمام هنا إنساني محض. هذا الرجل الذي يعيش سنوات حياته الأخيرة يستجيب لآلام رجل آخر مسن لا يريد أن يغادر العالم من قبل أن ينتقم من النازي الذي يعيش الآن في منزل ووضع مريحين بينما هما يعيشان في مأوى للعجزة.

لكن اسمح لي بشيء: كما لو كنت تقول إن القتل مجاز في مثل هذه الحالة؟

– لا. ليس هذا هو قصد الفيلم. ما حدث لليهود أمر خطير وتولت الحديث فيه عشرات الأفلام الأخرى. لكن فيلمي عن حالة محددة أقصد أن أقول فيها عكس ما ذهبت إليه تماماً. لأنه رغم أن اليهودي له حق في أن يرى العدالة تنتصر فإن تنفيذ المهمّة لا يأتي ليعلن أن هذه الوسيلة هي الوسيلة الصحيحة. لذلك لا أعتبرها ولا أحد ممن قرأت له اعتبرها دعوة للقتل.

عندما تتحدث عن «رسالة» تتحدث عن موقف معين، لكن هناك آخرين يؤمنون بالوقائع وليس بوجهات النظر. ما رأيك أنت؟

– هذا سؤال رائع لأن الخوض فيه هو الخوض في حالة معقدة جداً. شخصياً أحب توفير المعلومات والحقائق في الوقت الذي أطرح فيه موقفي. إنه الفرق بين أن تكون مؤمناً ومتدخلاً

فيما تقوم به أو تريد عرضه فقط. الفارق ذاته بين أن تكون Objective أو تكون Subjective ذكرت في معرض حديثك عن مهرجان «كان» ولجنة التحكيم مفهوم العمل بالنسبة لهوليوود. ما هو هذا المفهوم؟ لماذا لم تحقق أفلاماً هوليوودية؟

– هي مسألة من يملك الفيلم. المخرج أو المنتج. في هوليوود لا يستطيع الفنان أن يمتلك القرار النهائي إلا إذا كان مستقل الرأي والعمل تماماً. المعضلة الناتجة عن أن المخرج المستقل يحتاج في الوقت ذاته إلى الجمهور الذي توفره الأفلام الكبيرة. بتبسيط أقول إن هوليوود توفر هذا الجمهور أكثر من سواها وأنا أحتاج لهذا الجمهور. لكن قراراتي الفنية والإنتاجية يجب أن تكون ملكي الخاص. إنها تعبر عن رؤيتي وهذا ما يجعلني غير مستعد لتحقيق فيلم هوليوودي الإنتاج إلا ضمن معاييري وعلى كلمتي أن تكون الأخيرة.

هل أنت راض عن مسيرتك؟

– كثيراً لكن ليس على نحو تام. بعض أفلامي السابقة كان يمكن لها أن تأتي أفضل. في الواقع على المخرج أن يكون مستعداً لكي ينقد أفلامه بنفسه قبل أن ينقدها سواه.

فحص الشخصية

يشير أتوم إيجويان ، كل أفلامي أقدم عليها مراقباً لكني في الوقت ذاته أبث رسالة ما أؤمن بها وهذا شيء أساسي بالنسبة لي أن أفحص الشخصية التي ارتكبت أخطاء، وهذا ينطبق على كل أفلامي سواء أكانت أفلام ألغاز بوليسية أومثل «تذكر» و«أرارات». وهنا أفحص لكي أفهم وليفهم المشاهد ما هي المبررات التي لدى الشخص الآخر. هذا شيء أمارسه في كل أعمالي.

الفيلم القصير

يرى إيجويان أن مخرجي الأفلام القصيرة يعتبرون أفلامهم نوعاً من الاستعداد لخوض الفيلم الطويل. ونوع آخر لا يكترث لتحقيق فيلم طويل وسعداء بما هم عليه. ويقول : إذن هناك مخرجون يبنون مهنهم على الفيلم القصير ككتاب القصص القصيرة. لذلك لا أعتقد أن الفيلم القصير هو بالضرورة تذكرة لعمل روائي .

شاهد أيضاً