فرصة تركيب المفكّك

عبداللطيف الزبيدي

هل يعرف العالم العربي قيمة الحقبة التاريخية التي هو فيها؟ إنها مرحلة لا نظير لها منذ مطلع العصر الحديث. يستحق المبحث إضاءة على بعض الخبايا التي تكاد مفارقاتها تخفيها عن الأساليب التقليدية في التحليل. الرسوم الكاريكاتورية تريك ما لا تريكه الصور الواقعية. لولا أن الفطنة لا تباع في سوق ولا توجد مطروحة على الطريق، لكانت رشفة واحدة منها كفيلة بإعادة الروح إلى رميم الأحلام النهضوية.
على الصعيد الدولي انتهت القطبية الواحدة، وإلى غير رجعة. لحسن الحظ، كانت المدة وجيزة، وإلاّ لصار الضعاف لرحاها طحيناً. الظروف الآن أفضل ممّا كانت عليه في الحرب الباردة، فالاتحاد السوفييتي كانت حمايته مشروطة، تقريباً، بالتبعية الإيديولوجية. اليوم، الصين وروسيا لا تُدخلان العلاقات في الشؤون العقدية، لا تُمليان، لا تفرضان ولا تشترطان تغيير فكر أو خط أو ثوب. مع صعود روسيا ونجاتها من المحاق والانسحاق، صار لمن لا منعة لهم حبلان متينان. التنين غير الدبّ السوفييتي، فالصاروخ الاقتصادي الصيني العابر للقارات، ليس الحزب الشيوعي الذي كان مدجّجاُ بالسلاح خاوي الجيب. لا يوجد بيت على الكوكب لا تقوم حياته على المنتجات الصينية، في الإمبراطورية بالذات. نعمة أخرى: فلسفة التاريخ تحرّكت لإيقاف العربدات على المسرح الدولي. لم يعد في إمكان القوى التي ترى الأرض بكاملها ملكية فرديّة، أن تقضي على الدول بضربة عراقية، سورية، ليبية. هكذا صارت نظرية الفوضى الخلاقة، لا حرّاقة ولا خرّاقة، منطفئة غير برّاقة. نعمة غيرها: القوة المتجبّرة تصبح أخطر الخطر حين تكون لها منظومة قيم صلبة قابلة للترويج والدفاع عنها. الغرب جرّد نفسه من القيم منذ عقود، غدت سلة قيم مضادّة لا يشتريها عقل بأزهد نظرة. يبدو، والله أعلم برجاحة الأدمغة، أن استغباء الشعوب بات عسيراً، بدليل أن سياسات الاستحماق هي في النزع الأخير، آخر صيحة حماقة، وعد نتنياهو: إذا فزت في الانتخابات فسوف أضمّ الضفة الغربية وغور الأردن.
لزوم ما يلزم: النتيجة اليقينية: حقبة التمزّق العربي هذه، هي الأنسب لإعادة تركيب المفكّك.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

شاهد أيضاً